يُفهمُ خطأً مقولة”تسفير الوافدين”، فلا الحكومة فكرت ولا المواطنون فكروا هذا التفكير الجهنمي والاناني. الحكومة لن ترمي الوافدين في البحر ولا خلف الحدود، ولا المواطنون يفعلونها، فالكويت لا تبنى الا بايدي ابنائها وايدي الوافدين، والذي يقول غير ذلك اما مغيب او مخرب، ويسعى في الارض فساداً، لذلك نقول، وقلنا: الوافدون شركاء في الإعمار وشركاء في التنمية.
ولقد قلنا، وقال غيرنا آلاف المرات: الكويت مجتمع وافد، وقلنا الاف المرات لي هناك مجتمع اصيل ومجتمع مرتحل، انما الانسانية كلها دأبت على الارتحال من مكان الى مكان سعياً وراء الرزق ووراء الأمان، والله، سبحانه وتعالى، امر الناس بالارتحال والسعي في مناكبها، وحقه في العيش والاستقرار،ذلك ان الارض هي ارض الله وما نحن الا ضيف عليها، لكن هل هذا معناه ان يحمل المرءُ زوادته ويرتحل من ارض الى ارض، ومن وطن الى وطن، ويقيم ويتملك ويكون أسرة وبنين وبنات ثم يترك كل ذلك، او يجمع كل ذلك مرتحلاً الى حيث يشاء، داخلاً وخارجاً من بلد الى بلد، ومن ارض الى ارض من دون حسيبٍ او رقيب؟
قطعاً هذا مستحيل في زمن تسود الجغرافيا على التاريخ، والمدنية على السليقة، أضف الى ذلك ان الدول والاوطان عديل النفس والقلب، وتبقى الاوطان عزيزة حتى وان تركها المرء مرغماً.
لقد ذقنا نحن هنا في الكويت مرارة الغربة ومصادرة الوطن، سبعة اشهر كانت سبعة الاف سنة، لذلك لا تظنن اخي القارئ ان من يترك وطنه مهاجراً الى وطن اخر تغمره السعادة او الغبطة، انما يساوره شعور بالالم والأمل والقلق والضيق والغربة، يعدد الليالي والايام لكي يعود الى الوطن فيلثم ثراه، ويتوسد ترابه ويتلحف سماءه.
قلنا عالياً ان الكويت تأسست من وافدين، وقلنا ان الكويت بنيت بايدي ابنائها وايدي الوافدين، فَلَولا هذا التعاون والشعور بالحاجة لما كانت الكويت وصلت الى ما وصلت اليه اليوم من تقدم ونهضة وبناء شامخ، فالمال وحده لا يبني الاوطان ولا يبني حضارة، انما يبني الاوطان اذا اجتمع المال مع العقل والسواعد.
تستضيف الكويت على ارضها اكثر من مليوني مقيم، هؤلاء يساهمون في شتى مناحي الحياة، والمليونين قد يراهم البعض انهم يزيدون عن حاجة العمل، وهذا الظن يعوزه الدليل، ذلك في مثل هذه الامور لا يلقى الكلام على عواهنه، انما ينبغي ان يدعم بالارقام وتحديد المهن والمجالات وغير ذلك.
صحيح ان ثمة شعوراً لدى المواطن ببعض حالات الاختناقات المرورية، على سبيل المثال او عدم الالتزام بقواعد النظافة او مزاحمة المقيم للمواطن في المستشفيات، لكن كل ذلك ليس مبرراً كافياً حتى نضيق ذرعاً بهم او نطالب بطردهم، فيما اللوم على الحكومة والاعلام ومؤسسات المجتمع المدني الذين لا يؤدون دورهم الصحيح لا سيما في مجال التوعية والتثقيف هذا ناهيك عن التراخي في تطبيق القوانين وبخاصة قانوني الإقامة والعمل.
لعل من الاخطاء التي تتحملها الحكومة هو فتح أبواب البلاد لدخول النطيحة والمتردية، وعدم تحديد نسبة معينة لكل جنسية، والتوظيف العشوائي في الدوائر الحكومية من دون هناك حاجة فعلية، لذلك وجدنا اختلالاً في أعداد كل جالية، فجالية يقترب عددها من المواطنين وجاليات على أصابع اليد الواحدة، وجاليات معدومة او ممنوعة او تحتاج موافقة من جهاز امن الدولة لكي تدخل الكويت، رغم ما للكويت من علاقات ممتازة مع كل البلدان، هذا فضلاً عن ان نسبة عالية من العمالة الوافدة أميين وغير مؤهلين للعمل، حيث جيء بهم من الارياف او القرى النائية.
والخلاصة لن تستغني الكويت في يوم قريب عن العمالة الوافدة، بل ربما تتزايد الحاجة مع طرح المشاريع المستقبلية، الا ان المطلوب تنظيم دخول الوافدين وتحديد نسبة كل جنسية، وتنويع الخبرات مع شرط التعليم، ووقف توظيف العمالة الوافدة في الدوائر الحكومة، وتحديدها على الكويتيين فقط.