ذلك النشيد، مظاهر الفرح، طقوس الاحتفال ووجه الكويت في قلوبنا، ذوبانها في الروح، حضورها في الخاطر، ترابها الزكي، عنفوان العشق، بهجة الأطفال، وابتسامة الأم، وحكمة الأجداد تفوح من تاريخنا، الشهداء الذين قدموا أرواحهم قربانا لعزتها ومهرا لفرحتها، نزفها في كل عام عروسا لبهجتنا وشمعة تضيء ما في وجداننا من حب، كويتنا الحبيبة، فرحتنا وفخرنا وشموخنا وعزتنا. رغم اتفاقنا بأن عرس الكويت الوطني في كل فبراير هو سنة أهل الكويت التي لا غنى عنها ونطمح ألا يتوقف الأمر عند مظاهر الفرح والاحتفال، فالكويت في وقتنا الحاضر تحتاج لأكثر من الاحتفال، وأكثر من نشيد وشعائر وطقوس، التسامح بين أبنائها، الولاء للوطن، والانتماء الصادق والتضامن والحب بين أبنائها، الكويت التي احتضنت أهلها جميعا، وعاش على أرضها الكويتيون من مختلف الديانات وشتى الأصول في لحمة وحب وتعاون وتعايش كان مضربا للأمثال بين الشعوب. إن المواطنة الحقة ليست شعائر وأناشيد وطقوسا فحسب، إنها حق علينا لأرضنا التي ولدنا فيها وترعرعنا عليها ونعمنا بخيراتها، إنها ذلك الرابط المعنوي الذي يجمع بين أبناء الوطن ويوحدهم، إنها مجموعة من الواجبات تجاه الارض وتجاه من يعيش عليها، تلك الواجبات التي من خلالها نستحق صفة المواطن والتمتع بحقوق المواطنة، فالمواطن عليه أن يحمل في قلبه الولاء التام لوطنه وخدمته في كل وقت، والإيمان بضرورة التعايش السلمي مع كل من يشاركه العيش في الوطن، مهما كانت الاختلافات الفكرية أو العقائدية، والعمل جنبا إلى جنب في كل الاعمال المؤسساتية والتطوعية بهدف تنمية المجتمع والارتقاء به لأعلى مراتب التحضر. إن الأعياد الوطنية أفضل مناسبة لتأكيد تماسكنا كشعب واحد، وفرصة لتعزيز لحمتنا معا وجعل الكويت رابطا يجمعنا وأُما نشتاق لضمها ووطنا يستحق منا الكثير، فمسؤولية حمايتها تقع على الجميع، بدءا من الأسرة مرورا بكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، فلكل دوره الذي يقوم به، لكننا عندما نرى ما يحصل فيها فإننا نلمس أن هناك تداخلا بين مفهوم المواطنة ومفهوم الانتماء، حيث يشير مفهوم الانتماء الحقيقي الذي يكون فيه الفرد متمتعا بالوعي الكامل لأبعاد الموقف، والظروف المحيطة بوطنه داخلياً وخارجياً، ومدركاً لمشكلات وقضايا وطنه، وقادراً على معرفة أسبابها الحقيقية وطبيعة هذه المشكلات، ويكون المنتمي هنا مع الأغلبية ويعمل لصالحها، ويؤمن بأن مصلحة الأغلبية والعمل من أجل الصالح العام وسلامة المجتمع ونموه وتطوره، هو الهدف الذي يجب أن يسمو على الفردية والأنانية. إن العيش في إطار الجماعة هو الضمان لتحقيق الذات الفردية وإظهار قدراتها ومهاراتها، فمن المحال أن يعيش الفرد دون انتماء، ودون الارتباط بجماعة، ليتحقق له الشعور بالمكانة والأمن والقوة والحب والصداقة، فالسلوك الإنساني لا يكتسب معناه إلا في موقف اجتماعي، كما أن ضعف الانتماء قد يؤدي إلى الشعور بالاغتراب، وهذا بدوره من شأنه أن يسم الإنسان بالسلبية واللامبالاة نحو المجتمع. إن المواطنة هي الرباط المعنوي الذي يجمع بين مكونات المجتمع وفئاته المختلفة ويضمن انصهار جميع الاختلافات في إطار واحد نلتقي به على أرضية المصلحة الوطنية العامة لتأصيل مفهوم المواطنة والانتماء، لذلك نقول أن المواطنة أكثر من نشيد وطقوس احتفالية وشعارات نتغنى بها بين حين وآخر، إنها ذوبان الفرد في روح الكل، إنها الحالة التي كنا عليها – نحن الكويتيين- قبل سنوات قليلة، حيث كان كل منا يقف مع الآخر ويسانده، يشاركه أفراحه وأحزانه دون أن يعرف لأي قبيلة أو طائفة ينتمي هذا الآخر، كان يكفي أن يكون كويتيا، وحيث كانت الكويت مثالا يحتذى، وكنا قدوة يتمنى الكثير من الشعوب أن يكون مثلنا بتماسكنا وحبنا لبعضنا بعضاً، فأين نحن من تلك الحالة الآن؟ الكويت أمانة في أعناقنا جميعا، وهي تحتاج منا الآن أكثر من أي وقت لأن نكون يدا واحدة، وقلبا واحداً ينبض بحبها، فلتكن أعياد الكويت صحوة لضمائرنا ونعطيها ما تستحق من حب وولاء وانتماء. كاتبة كويتية g.h.karam@hotmail.com