في أعقاب التغيرات المجتمعية الحادة التي عادة ما تصاحب الحروب أو الثورات أو التقلبات السياسية تنكفئ الدول على ذاتها بهدف لملمة الشتات، وتتقوقع لتواجه التحديات الداخلية، وتنغلق تجاه الآخر حتى تعيد حساباتها على كافة الأصعدة، وينجم عن ذلك وجوبا تراجع الدور الخارجي للدولة سواء الثقافي أو السياسي.. وتأكيدا الاقتصادي.

حدث ذلك للدول التي خرجت من الحرب العالمية الثانية.. وتكرر لدول أوروبية عانت صعوبات اقتصادية كاليونان والبرتغال، وشهدته الكويت بعد محنة الغزو العراقي عام 1990 على المستويين الثقافي والاقتصادي .. ومارسته مصر بعد ثورة يناير 2011 فتراجع تأثيرها السياسي والثقافي والفني إقليميا ودوليا، وكانت شواهد ذلك كثيرة، وحاول لاعبون ظنوا أنهم كبار أن يملأوا الفراغ السياسي والثقافي الذي تركته مصر بغيابها عن التأثير في القرارات الاستراتيجية للمنطقة، أو التراجع عن ريادة الساحة الثقافية.

ولكن الظاهرة الصحية المتمثلة في نجاح مصر بإتمام المصالحة بين الفصائل الفلسطينية أضحت خير مؤشر على عودة مصر إلى مكانها ومكانتها سواء في قلب الأمتين العربية والإسلامية، أو كلاعب أساسي ومهم في صنع سياسات (وإحباط مخططات) في منطقة الشرق الأوسط، وبقي أن ننجح في إعادة بناء «الإنسان» حتى يكتمل النجاح.

غير أن أي مراقب محايد وموضوعي لا يمكن أن يأمل في «العودة» الكاملة والصحيحة قبل أن تشفى كل جراح الوطن السياسية والاقتصادية حتى يتمكن من مواجهة التحديات في الداخل والخارج، خاصة ان القوى السياسية الخارجية والدول وجماعات المصالح حققت مكاسب كبيرة من غياب مصر المؤقت، وظنت ان الساحة ستظل خالية لها تمرح فيها كما تشاء، هذه القوى ساءها رجوع مصر، وأمارات التعافي التي بدأت تظهر عليها، وتحاول الآن بكل ما أوتيت من قوة ومكر وشر أن تحبط هذه الصحوة، وتوئد هذه العودة وتبذل في سبيل تحقيق ذلك الكثير والكثير، ولكن تضافر الشعب والتحام المصريين ووضوح خارطة الطريق ووجود رغبة سياسية حقيقية في إعادة بناء الدولة.. كل ذلك سيحبط مخططات «أهل الشر» ويعيد لمصر مكانها ومكانتها بإذن الله.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء