مصارع الاستبداد .. في المحروسة!-محمود الشربيني
------------------------------------------------------
هذه صرخة  لاتحتاج مقدمات! لست بحاجه لان أمهد لحديثي بما هو قبل القراءة. وصرختي هنا لاتعني أنني أقف زاعقا في ميدان التحرير غاضباً من شيء ما .. فأنا وان غضبت لا افضل الكتابة الزاعقه الخطابية علي طريقة افتتاحيات  المرحوم  عادل حسين : ياقوم يااهل مكه.......
لم يعد هنالك برنامج للثلاثين من يونيو.. لا للواقع ولا للاحلام.  امتلكنا أحلاماً عريضة منذ فجر هذا اليوم. أحلاماً وردية .. مجانية.. داعبت الخيال والافئدة. هتفنا من أعماقنا "مصر خلاص هتقوم..من النهاردة مفيش عبيد وأسياد .. مفيش أخطاء.. أو محسوبية أو رشوة .. أو تخلف ..أو استبداد"! كل المصريين حلموا بالمستقبل، وبنهضة مصرية خلاقة، وانطلاقة المارد الذي يجب أن يعمل له العالم ألف ألف حساب  .  تعامل معنا " الدب الروسي " و " التنين الصيني" في البداية علي هذا النحو. واستقبل الالمان والبريطانيون ثورتنا الجديدة علي هذه الارضية المتوثبة .. استقبل كثير من الرؤساء والزعماء وفودنا الرسمية وبعثاتنا الدبلوماسية علي هذه الخلفية .كما ساندتنا دول عربية وخليجية علي هذه الاسس والتحولات  الواعدة. في فجر هذا الثلاثين من يونيو 2013 كانت أحلام الرئيس السيسي ومناماته ورؤاه مقدسة يصدقها المصريون الذين يرون فيه رجلا صالحا ومنقذا لمصر ، ومن هنا اندفعوا يخرجون 64 مليارا من القابعة تحت البلاطه ،ليقيموا بها مشروع القناه الجديدة ..ثم بعد ذلك ظهر لنا أن كل "خرابة فيها عفريت"!فالقناه الجديدة التي وعدوا بأنها ستكون عملاقة الأثر والدخل، إذا بها مجرد تفريعة! دعونا من هذه التفريعة.. حرب سيناء علي الارهاب بلا نهاية ومازلت تكبدنا المليارات  . دعونا منها فلاتزال مستمرة تحصد الارواح كل يوم ، ويسقط منا الشهداء كل لحظة، ويهجر العشرات من الاسر المسيحية المقيمة في العريش تحت وقع الاحتلال الداعشي لبعض مناطق العريش وسيناء. دعونا دعونا .. فالصناديق الخاصة لازالت خاصة. والطائرات الرافال الفرنسية لامستقبل لها في العالم الا في مصر. السياحة لن تتعافي لأن الامن لايزال يتكدر والشهداء لايزالون يسقطون. الانتاج لايزيد ومن أسف أنه لايزال وسيظل يتعثر..حتى بلد كالسودان " بيعمل من نفسه دوله علي حسابك، وبيشهر بمنتجاتك ويرفض صلصتك وكاتشبك ويقولك أصل منتجاتك الورقية أساساً فاسده"!  والعمال المصريون لايزالون كسالي والمصانع لاتعمل بكامل طاقتها ، ولايزال الاستيراد مفتوحاً يستنزفنا. اساليبنا لازالت عتيقة في التفكير والتنفيذ واتخاذ القرار. فوق هذا وذاك بات  الرئيس السيسي محل خلاف الآن، ليس بين أوساط نخبٍ ثقافية وفكرية وربما سياسية فقط، وإنما في أوساط قوي الشعب البسيطة الفاعلة. شعبية الرئيس تتآكل وبعضهم يحاول لها الانقاذ ، إما بتعديلات دستورية ، أو بتشوية كل من يفكر في الترشح أمامه في المرة المقبلة!  
وَجّبْ! فما الحل؟ والذين يمكنهم أن يكونوا ظهيراً مساندا للنظام ، يقيلونه من عثرته ويساعدونه للنهوض من رقاده ، أُسْكِتوا او سَكتوا. استبعدوا أو تم تجاهلهم .. صحيح أنه لم يبقي لدينا الكثير برحيل جيل العماليق، ولكن مازال لدينا بقية باقية. وها أنذا أدعوا كل عقل رشيد فيها أن يشكل مع الآخرين ليس حكومة ظل كما في الدول العريقة في الديمقراطية، وانما أن يشكل خلية عقلية موازية لخلية العقل التي تدير الدولة الحالية . الخلية العقلية الحالية تدير الدولة وفق منظورها الذي تراه لازما وضرورياً.. إحكام القبضة الامنية والمخابراتيه ،باعتبار النظام في حالة حرب . وباعتبار المؤامرة مستمرة من الخرطوم إلي برلين ولندن ونيويورك ومن الدوحه إلي غزه وانقرة.
لابأس !لن نناقش حالة الحرب والمؤامرة هذه.. فربما مالدينا من معلومات اقل بكثير مما يجعلنا نري الرؤية الصائبة . لكن مادام الامر كذلك ، وخوفاً بخوف، وحربا بحرب وارهابا بارهاب، فمالذي يمنع أن يلتقي هؤلاء الذين لديهم رأياً مختلفاً ومستقلاً، وعقلا ناقداً وثقافة راشدة  مستنيرة، فيتحاورون معاً حول قضايانا الرئيسية ، فنسمع منهم ونتحاور معهم وجهالوجه؟ونطل علي أفكارهم ونتمتع بمناقشاتهم وأطروحاتهم المختلفة  وإن لم تاخذ بها الدولة أو تلتفت اليها!
ليل القاهرة الثقافي أطفيء ، وحركة الثقافة والفكر محصورة في الناشرين والموزعين، ولم تعد حركة الندوات والمؤتمرات سهلة ميسورة، فكل ندوة او مؤتمر تحتاج الي ترخيص، و"التجمع" .. الحزب الذي كان منارة لذوي العقول المتميزة المختلفة لم يعد يهتم بإقامة حلقات النقاش حول الافكار ، والاحزاب الجديدة الورقية  لم تعد تعبأ بالأفكار وانما بالصراعات الحزبيه ولعبة الكراسي الموسيقية.. ومنذ زمن بعيد أغتيلت المجالس القومية المتخصصة، وتوراي دور مراكز الابحاث بانواعها المختلفة.. ولم يبق لنا الا ان نفكر في مثل هذه الحلول لعلنا نصارع بها الاستبداد. فيعود يدوي في المحروسه صوت الكواكبي ومحمد عبده ومصطفي عبدالرازق والعقاد وطه حسين ونجوم مصر الزاهرة في القرن العشرين!
ماذا لو بعثت الحياه في" رامتان"؟ هل مازال احدكم يسمع بهذا المكان الذي كان واحة لعميد الادب العربي طه حسين واشترته وزارة الثقافه وحولته الي متحف؟ حلال أم حرام الا ينبثق منه شعاع ثقافي إبداعي ؟ يناقش كتاباً جديداً أو يقدم مؤلفاً جديداً تكون تلك جائزته .. أن يقف في نفس المكان الذي تحدث فيه طه حسين فيعبر عن نفسه؟   ماذا يحدث لو ان المسرح الصغير في دار الاوبرا سمح فيه بحوار ثقافي؟ ماذا لو اعيدت الحياه لندوات كلية الاقتصاد والعلوم السياسيه. وكان في الثمانينات منارة تناقش قضايا التعددية والاقليات والعنف الطائفي الخ ؟ ماذا لو ان مراد وهبه اعاد تنظيم مؤتمرات فلسفية علي غرار موتمر "الفلسفه وبائع البطاطا "( لاحقا استبدل بجملة رجل الشارع بائع البطاطا كما لوأنه لايليق!) وكان الهدف منه تجسير الفجوه بين المثقفين وعامة الناس.
شَهِدتُ ذات مساء في ظل وجود الزميل حلمي نمنم رئيسا لدار الكتب ندوات في مسرح مكتبة باب الخلق ، كان المحاضر فيها تهاني الجبالي. ماذا يحدث لو أعيدت لها الحياه؟ ماذا يحدث لو تمت استضافة نادر فرجاني ونور فرحات؟ ماذا يحدث لو تحدث معهم أحمد الجمال ؟ 
لماذا لايقيم المتحف المصري في احدي قاعاته ندوة حول الاكتشاف الاثري الجديد الذي لم يستطع احد فك طلاسمه حتي الآن وهل هى لبسماتيك الاول أم لرمسيس الثاني؟ 
ماذا يحدث لو ان الجمعيه المصرية للدراسات التاريخية أفتتحت مقرها أمام المشتغلين بالتأريخ ، من اجيال متعاقبة ، فنسمع مجددا صوت محمود اسماعيل صاحب الدراسات النقدية الواعية للتاريخ الإسلامى ،مع احمد زكريا الشِلِّقْ مع قاسم عبده قاسم وعاصم دسوقي؟ 
لماذا لانسمح لسمير رضوان أن يحاور وزير الماليه الحالي علناً ؟ واين ابراهيم العيسوي من مناظرة عبد الخالق فارق وجوده عبد الخالق ؟ 
هل صوت الشعب في مصر أصبح محرماً؟ كان تاريخ "هيكل" وتجربته يفرض نفسه علي المحطات التليفزيونيه، فتعاقدت معه الجزيرة ثم تحولت الcbc الي محله المختار ليقول كلمته .. فماذا يحدث إذا تحاورنا مع جميل مطر وعمرو حمزاوي و هاني سري الدين ومحمود عماره وصبري الشبراوي؟ 
اما من جمعية ثقافية تأخذ علي عاتقها مهمة إحياء صوت مصر من تحت الركام ؟ !
أتيحوا الفرصة للعلماء والمتخصصين أن يشكلوا مجلس علماء الظل في مقابل حكومة شريف اسماعيل ، فينكشف له المستور ويفاضل بين الخيارات ويعرف أين يقف وإلي أين يسير؟
أفتحوا النوافذ للكلمة الأخري أيها الساده ودعوا اصحابها يقولون كلمتهم ويمشون .. حتى يبقي في الافق بعضا من ضوء في آخر النفق!