علي هامش استقالة المدرسين المصريين من الكويت!بقلم : محمود الشربيني
----------------------------------------------------------------------------
قبل أن تقرأ:
أحد أعضاء بعثتنا العاملة بالقنصلية المصرية بدولة الكويت، من المشهود لهم بالنزاهه والدماثة والتفاني كشف لي في حديث خاص معه أن المسئولين الكويتيين أبلغوه بأن الجاليه المصريه في الكويت تضخمت بأعداد كبيره( وذكر رقماً مهولاً!)تفوق الطاقه الاستيعابية لدولة الكويت، مما يخل بالتركيبة السكانية في البلاد.وإذا علمنا أن الإختلال طال جاليات أخري، حتى باتت الكويت متخمة بزيادات سكانية مثلت عبئاً علي خدماتها ومرافقها ، ولم يعد من حلٍ الا بأعادة النظر في هذه التركيبة ، عبر فرض رسوم جديدة علي الوافدين ،ربما تثقل كاهلهم ، فيتورع الجدد عن المجيء ، ولايتورع المقيمون الحاليون عن الرحيل. وفي هذا الإطار صدق أو لاتصدق تم مؤخراً قبول إستقالة 700 مدرس ومدرسة من المصريين هذا العام فقط!
*************
منذ سنوات تعود إلي ماقبل الاحتلال العراقي للكويت ،واختلال التركيبة السكانية فيها يؤرق ويزعج الجميع، وربما استفحل هذا الأمربسبب تزايد العنصر الفلسطيني في البلاد آنذاك، حتى أنه كانت له الغلبه علي ماعداه من جنسيات أخري، لاعتبارات قوميه عربية .. فالمعروف أن الكويت هي التي إحتضنت ورعت منظمة التحرير الفلسطينية منذ نشأتها، وأتيح للفلسطينيين في السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات أن يعاملوا في الكويت معاملة خاصة ومتميزة ، وخاصة في مجال التربية والتعليم، حيث كان أغلب المدرسين في الكويت من الفلسطينيين، بل وكانوا يتمتعون بالثقة ويسند إليهم إدارة المدارس، ويولون مناصب مهمه، وكانوا يتحكمون في العملية التعليمية و ربما التعليمية !
بعد الغزو ، وانحياز الرئيس الراحل ياسر عرفات وصحبه من الفتحاويين واعضاء منظمة التحرير إلي صدام حسين وتأييدهم له في غزو الكويت، وظهور مواقف ماعرف ب" دول الضد" وهي الاردن والسودان وتونس والجزائر ووقوفهم في خندق الاحتلال، مع صدام ، إتخذت الكويت موقفاً صارماً تجاه إقامة الفلسطينيين علي أراضيها ، مستنكرة ان تكون إساءتهم إليها جزاء إحسانها لهم ، وأن يقف الفلسطينيون ضد البلد الذي آواهم من طرد واحتلال وآمنهم من خوف وتعسف وتشريد.. ومنحهم كل هذه الحياه الكريمة ، الي حد انه ممايروي ويقال أن مواطنين فلسطينيين كان لهم نفوذ وسطوة ويلجأ اليهم مواطنون كويتيون لتذليل عقبات تواجههم في بعض مراكز العمل في بلدهم .. ومرة أخري صدق أو لاتصدق!
كانت المدارس الحكومية تقريبا تدار بإدارة فلسطينية، قبل ان تقرر كويت الحاضر بدء " التكويت"، وإسناد الاداراه للمدرسين الكويتيين، الذين ماتزال أعدادهم حتي اليوم لاتكفي للاستغناء عن المعلمين الوافدين.
خلال السنوات التالية للغزو ، تم التعاقد مع المدرسين العرب بكثرة ، وفي القلب منهم المصريون.. وكانت المفارقة أنه بعد الغزو تلاقت الإرادات، فالكويت باتت تحدد سقفاً للرواتب لايزيد عن مائتي دينار للوظائف الحكومية ، تصل بالبدلات للمدرسين إلي نحو اربعمائة دينار أو أكثر قليلاً، وتكرمت الكويت أكثر فمنحت المعلمات اللائى لاعائل لديهن ولاعائلة في الكويت سكناً تابعاً لها،و90 ديناراً للمدرسة و150 للمدرس بدل سكن ! وبعد أن تقدمت أحدي المدرسات برفع قضية للمساواه بين المدرس والمدرسة في بدل السكن ، ووجدت وزارة التربية نفسها أمام ورطة حقيقية ، فإن الدولة قررت منع بدل السكن عنهم ورفعه كلياً من الخدمة! ليتقلص الراتب الى مادون الخمسمائة دينار بكثير ، في حين أن ايجار الشقة الصغيرة ارتفع الي 350 ديناراً! هذه الرواتب كانت مقبولة قبل الغزو ، حيث أغلب الخدمات مدعومه والاسعار معقولة ، والايجارات لاتزيد عن 120 -150 ديناراً .. اما اليوم فلم تعد كذلك بحال ، فلم يقبل علي التعاقد مع اللجان التى كانت توفدها الكويت سنوياً الي مصر وغيرها سوي مايمكن تسميتهم " أحسن الوحشين" .. في حين كان المجيدون في كل القطاعات يذهبون إلي دول أخري في مقدمتها الامارات والسعودية وعمان الخ .وهنا يمكن تفسير الغمز واللمز الذي طال أداء بعض المدرسين المصريين غير الأكفاء!
لم يكن المدرسون الوافدون الى الكويت وفقا لهذا المعيار سيئون او غير قادرين علي النهوض بالعبء التربوي والتعليمى، ولكن كانت لهم عيوبهم في تخصصات معينة ، كاللغات الاجنبية ، ولم يكن أكثريتهم ممن يعرفون مسبقاً استخدام الحواسيب الذكية في أعداد الدروس أو في توصيل المعلومات إلي الطلاب. وفضلاً عن ذلك لم تكن الادارة المدرسية الجديدة تمتلك القدرة علي ضبط الأداء التعليمى والتربوي ، في ظل خصوصية المجتمع الكويتي، الذي يولي إعتبارات كثيرة للواسطة وماشابه ذلك، فغاب الضبط والربط عند المدرس الكويتي ،وعند الطالب الكويتي، وكان لابد أن تطول الآفة جنسيات أخري.
بعض الخبثاء حكموا علي التجربة المصرية في التعليم من خلال مايحدث حالياً في المدارس وتراجع الاهتمام الطلابي بالتحصيل والاستذكار وبذل الجهد ، واعتبروا أن غياب المدرسين الفلسطينيين كان سببا في تردي العملية التعليمية بالكويت، ومن هنا ولدواعي المصلحة ولتنويع التركيبة السكانية ، فكرت الكويت في التعاقد مع مدرسين فلسطينيين من جديد، وجلب مدرسي لغات من دول عربية أخري ربما تمتاز في اللغات ، كونها كانت تحت الاحتلال الفرنسي أو الانجليزي، والذي ساهم في تغييرها جذرياً،وهو الامر الذي لم يحدث مع المصريين، كون مصر عصية علي التذويب وعلي تغيير الهوية وسحق الشخصية لحساب المحتل الغاصب، وإن قبلت بالتأثير والتأثر كما حدث مع الاحتلال الفرنسي والانجليزي لمصر ، والذي كان من آثاره تعرف المصريين علي اسرار حجر رشيد ومعرفة رموز الكتابه الفرعونيه القديمة ، وايضا التعرف علي المطبعة التى جاءت مع الحملة الفرنسية،فيما شق الانجليز في مصر طرقا وانشأوا السكك الحديدية وربطوا مصر بأوربا تقريباً،.لكن مصر لم تذب في الاحتلال ولم تتحول عن لغتها أو سماتها لتتشارك مع المحتل في سماته الاوربية أو الانفتاحية او نحو ذلك.
اليوم قبلت استقالة أكثر من سبعمائة من المعلمين المصريين، ولايزال هناك المزيد، ويتردد ان المعلمين الفلسطينيين ستكون رواتبهم أعلي من نظرائهم الوافدين.. وهو مانفاه اليوم مسئول كويتي! لكن هذه القضية جد خطيرة. فلست ضد إعادة إستقدام الاخوه الفلسطينيين الي بلدهم الثاني الكويت،حاشاي وانا العروبي أن أفكر في ذلك، أو لا أكون سعيداً بزوال الأسباب التي عكرت صفو العلاقة بينهما، ولكن ما نريده هو ان لايكون ذلك علي حساب المواطنين المصريين الذين يفتحون بيوتا في مصر وفي الكويت، وفي آن واحد، في ظروف أقل ماتوصف به حالياً بأنها مأساوية ، حيث إنخفض الجنيه المصري إلي أدنى مستوياته ، وتضاءلت فرص العمل في مصر واشتعلت الاسعار الي حد الاكتواء. ولاشك أن استقالات المدرسين المصريين من الكويت وعودتهم مضطرين إلي مصر ليست تمرداً ، وأنما هي نتاج عدم القدرة علي الحياه في ظل ظروف الكويت الصعبه حاليا حيث ارتفعت تكاليف الحياة والمعيشه والإقامه بمايفوق الطاقة والقدرة ، وهنالك المزيد من الرسوم في الطريق، حتى علي الأدوية والاستشفاء وركوب الطريق!
بعدما قرأتم:
لذلك ومن اجل مصر. ومن أجل المصريين الذين يكنون كل المحبه والتقدير وتربطهم الوشائج الطيبة بأهل الكويت مما لا مجال لذكره ، فهو من قبيل تحصيل الحاصل، فإننا نناشد أهل هذا البلد المعطاء ، والذي يكرمة العالم ويلقبه بمركز العمل الانساني في العالم ،ويقدر أمير البلاد ويلقبه بقائد العمل الانساني، أن ينظر بعيون أخري للمصريين العاملين في الكويت والذين لطالما عتبروها وطنهم الثاني .. وطالما تمنوا لها ولاهلها وامرائها كل الخير والنماء.
-------------