بنت... العاملة
بقلم/اسامة ابوزيد
طلبت مني النصيحة. قالت: أثق برجاحة عقلك، وأحتاج الى مشورتك لأحسم أمري وأرتاح.
قلت: رأيان أفضل من رأي، وثلاثة أفضل من اثنين، لذا سأعرض حكايتك على الأصدقاء لعلك تجدين في تعليقاتهم وآرائهم ما يطمئن به قلبك وتقر عينك. 
قالت: أحلم كأي فتاة بزوج يملأ علي حياتي بعقله وثقافته وحنانه. يفهمني ويستوعبني ويحتويني. أتعلم منه وأستفيد من خبراته. لا يشعر بالدونية تجاهي. 
واصلت: منذ فترة قليلة تقدم لخطبتي شاب، لم أشعر تجاهه بأي عاطفة. أقل مني تعليما وثقافة. أمي وإخوتي رحبوا به، ورغم ذلك رفضت. راحوا يضغطون علي للقبول به، تشبثت برفضي. يقولون إنه ميسور. لديه شقة جيدة، ويعمل في أمريكا، ويجب ألا أضيع فرصة كهذه. 
سألتها: ولماذا ترفضينه؟
أجابت: فارق كبير في المستوى الثقافي والتعليمي، وفي التفكير والاهتمامات، كما انني لم أشعر تجاهه بأي ميل او انجذاب.
قلت: ولماذ تضغط عليك اسرتك للقبول به؟ وماذا عن والدك؟
قالت: كان أبي موظفا حكوميا، بلغ الدرجة الاولى. كان رجلا عظيما بحق. تركني طفلة مع أربعة أشقاء ورحل رحمه الله. اضطرت أمي التي لم تنل نصيبا من التعليم للعمل عاملة نظافة بعد أن ضاقت بنا الحياة وكثرت الأعباء. ناضلت بشرف حتى ربتنا وعلمتنا وصرنا كبارا نعتمد على أنفسنا. 
تابعت حكايتها: للأسف الشديد، لقد أحجم أصحاب الشهادات العليا والمراكز العالية عن التقدم لخطبتي. كانوا يقولون إن أمها عاملة. كيف نتقدم لخطبة ابنة العاملة؟ لم يكن يعنيهم أخلاق الفتاة وسلوكها وثقافتها وتربيتها، لا يهمهم سوى المظهر والقشرة، أريت مجتمعا عقيما كهذا؟!
قالت بعد توقف: كنت أظن أن هذا لا يحدث إلا في أفلام السينما الابيض والاسود القديمة، مع فاتن حمامة وشادية وماجدة. لم أتوقع أن أكون أنا ضحية شيء كهذا، وفي عام 2017! لقد وصلت الان الى منتصف الثلاثينيات. أمي وإخوتي يخشون أن يفوتني القطار، لذا يضغطون علي بكل قوة لأقبل بهذا الشاب.
قلت: وهل انت قلقة من أن يفوتك القطار؟
قالت: لست خائفة أو قلقة، فكل شيء بأمر الله وإرادته. بيت أبي وأمي أكرم لي من زواج سيفشل عاجلا أو آجلا. وبالتأكيد هو أكرم لي من مجرد شهادة أرفعها في وجه المجتمع ليعلم أني متزوجة!
واختتمت بأسى: صحيح أن أمي عاملة لكنني أفخر بها وبتربيتها لي ولإخوتي، وسحقا لهذا المجتمع المنافق الجاهل العقيم.
أحزنتني رسالتها، ولم أجد ما أقوله لها...