شخصياً لا أحب «صندوق النقد الدولي»، وأطلق عليه اسم «صندوق النكد» لأن نصائحه وقروضه وتوصياته «دائماً» ما تلقي بغلالات من الهم والحزن والكآبة والنكد على الشعوب التي تضطرها «الظروف» للجوء إلى الصندوق، وتجرّع الدواء المُرّ حتى تحصل على قبلة الحياة لاقتصادها.

.. ولكنني هذه المرة أجد نفسي مضطرا لقول الحمد لله وافق صندوق النقد على منح مصر قرضا بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 أعوام، وتسلمت القاهرة الشريحة الأولى منه بقيمة 2.75 مليار دولار.

قرض الصندوق هذه المرة منح للاقتصاد المصري شهادة تجعل البنوك العالمية والجهات الدولية المقرضة ومؤسسات تصنيف الائتمان الدولي تستعيد الثقة فيه، وقد ظهر جلياً في البيان الإعلامي للصندوق- والذي تم فيه إعلان الموافقةـ ان الشروط تتضمن دعماً كاملاً لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته الحكومة المصرية، والذي يهدف الى وضع عجز الموازنة والدين العام على مسار تنازلي، وزيادة معدل النمو، ومكافحة البطالة، مع الانتباه لضرورة توفير الحماية لمحدودي الدخل.

وطبعاً سارعت وكالات التصنيف العالمي الى رفع تصنيف الائتمان من سلبي الى مستقر، الأمر الذي يدعم خطط الحكومة، ويؤكد ان مصر وضعت قدمها على الطريق الصحيح، والمهم الآن هو حسن استخدام القرض، ودفع عجلتي الإنتاج والتصدير، وتحقيق سبل استعادة السياحة لعافيتها ومعدلاتها ومساهمتها الضخمة في الناتج المحلي وإعادة الثقة للمستثمرين في الاقتصاد المصري، اما تشجيع العاملين في الخارج على العودة لمعدلات تحويل أموالهم بالطرق الشرعية فقد بدأ تحقيقه جزئيا مما حقق زيادة في الاحتياطي الأجنبي من النقد.

لم أكن أتصور يوماً ان أشكر «صندوق النكد» على شيء قدمه لمصر، لكن «التفاقم» الهائل لمشكلات الاقتصاد وأهمها تراجع الإنتاج وتوقف المصانع، وانهيار الصادرات، وانخفاض الاستثمارات، واختفاء عائدات السياحة، و«تحول» تحويلات العاملين بالخارج، وتراجع عائدات القناة، وسوء الإدارة الاقتصادية والتضخم والضغوط الخارجية والداخلية كل ذلك وغيره يجعلني أتقبل «تجرّع» الدواء المُرّ للصندوق، داعيا الله ان يكون آخر القروض، ومطالباً الرئيس السيسي بـ «ثورة اقتصادية» حقيقية.. عمادها: التعليم والرعاية الصحية!!

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.