..أدرك تماما «الحساسية المفرطة والمستحقة» التي نعاني منها تجاه تركيا ونظامها السياسي.
لكنني أيضا أفرق تماما بين التجربة الاقتصادية التركية التي تستحق المتابعة والاهتمام واستخلاص الدروس وبين حكم حزب العدالة والتنمية الذي حصل على الأغلبية منذ عام 2002، وحكم أنقرة، وأيضا بين كل ذلك وبين الشعب التركي الصديق والذي نتشابه معه في أمور كثيرة.
..كان لابد من توضيح ذلك لإزالة أي حساسيات تلازم القارئ المصري عند الحديث عن تركيا.
..يرى الكثير من الاقتصاديين، وأنا معهم، ان التجربة الاقتصادية التركية تستحق الدراسة، خاصة أن الظروف التي مرت بها تركيا خلال العقدين الماضيين تتشابه إلى حد بعيد مع ما نمر به في مصر الآن، واستطاع الشعب التركي أن يتجاوز الأزمة بالإصرار على تطوير وتحسين الإنتاج، وزيادة الصادرات والاستفادة من الظروف الإقليمية لدعم السياحة وجذب الاستثمارات.
..في مصر «ارتعبنا» مع صدور قرار تعويم الجنيه وخسارته 48% تقريبا من قيمته في يوم وليلة.. فما رأيكم أن الليرة التركية في يوم عرف باسم «الأربعاء الأسود» 21 فبراير 2001 فقدت حوالي 50% من قيمتها أمام الدولار!! وانهارت بورصة اسطنبول، واضطر البنك المركزي التركي إلى ضخ قرابة 3 مليارات دولار لتعزيز الاسواق، ومع ذلك اختتم العام 2001 بانكماش الاقتصاد التركي بنسبة 6%.
حدث ذلك على الرغم من أن أميركا وأوروبا ساندتا تركيا بكل قوة حتى أنه قبل «الأربعاء الأسود» بـ 14 شهرا فقط وتحديدا في ديسمبر 1999 بلغ إجمالي تمويل صندوق النقد الدولي لتركيا أكثر من 30 مليار دولار ـ واستمر الدعم حتى الآن ـ ومع ذلك ارتفع الدين العام الإجمالي من 38% عام 2000 إلى 74% عام 2001 من حجم الناتج المحلي.
ومع حلول عام 2002 أطلق وزير المالية التركي آنذاك كمال درويش حزمة إصلاحات «شديدة المرارة» شكلت إرادة حقيقية للتغيير ساندها «بقوة» صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، لتتحسن أرقام الأداء الاقتصادي التركي بنهاية عام 2002، لتأتي انتخابات 2003 برجب طيب أردوغان رئيسا للحكومة.. وغدا للحديث بقية.
إذا كان في العمر بقية.
ملاحظة أخيرة.. قبل أيام قليلة فقط أعلنت إحدى أهم وكالات تصنيف الاقتصادات (ستاندرد آند بورز) رفعها تصنيف تركيا الائتماني من (سلبي) إلى (مستقر) عند مستوى BB..، وكان قبل يوم الجمعة الماضي مصنف «سلبي».
وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.