أهل البلد هم سبب البلاء... حينما يكون أهل بلد ما هم سبب نكبته وإضعافه والقضاء على قوته الضاربة ليصبح مرتعا خصبا (للذئاب) يعيثون فيه كيفما شاءوا تكون تلك هي المأساة. هذه الصورة تتجلى بوضوح في سوريا فبعد أن كانت دولة قوية موحدة ذات نفوذ وسيادة ورئيس منتخب ودستور وقوانين ومؤسسات ولديها مطابع وثقافة وهوية ولديها إنتاج زراعي متميز يصدر للخارج وبعض من الصناعات الخشبية وقوة شرائية مرتفعة لعملة البلد وغير ذلك من معالم اقتصادية جعلتها دولة مستقرة ثابتة الأركان فإذا بالشيطان يلعب برؤوس أهلها وانساقوا وراء وهم الربيع العربي المزيف ونتيجة أن الشعب العربي السوري غالبيته كانوا يحملون السلاح فخرجوا على بعضهم بعضا وشقوا عصى الطاعة وانشق بعض من الضباط والجنود عن الجيش النظامي للدولة وشكلوا ميلشيات تحارب النظام فكان من السهل أن ينتشر فيهم كما ينتشر النار في الهشيم التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم(داعش) والمأخوذ حروفه من (دولة العراق والشام) ثم انقلبت المليشيات على بعضها وقاتلوا بعضهم بعضاً وأصبحنا نرى عبر وكالات الأنباء الدمار والقتل والتشريد وموت وتشويه الأطفال الأبرياء وتحولت معظم المدن السورية الى أشباح. وفجرالأربعاء24/8/2016م توغلت الدبابات التركية تحت غطاء جوي أمريكي على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي ودخلت مدينة جرابلس شمال شرق سوريا تحت مزاعم محاربة داعش والأكراد وغدت سوريا دولة بلا سيادة أو احترام لوحدة أراضيها وأصبحت حدودها مباحة للجميع حتى إسرائيل. وما يحدث في سوريا التي كانت دولة آمنة مطمئنة ما هو إلا سوء تفكير أهلها ولم يكن من بينهم رجل رشيد وصدق المولى عز وجل إذ قص علينا في محكم التنزيل: " وَضَربَ اللهُ مثلاً قريةً كانت أمنةً مطمئنةً يأتيِهَا رِزقُها رغداً مِن كُل مكانٍ فَكفَرَت بأنعُم اللهِ فأذاقها اللهُ لِبَاسَ الجُوعِ والخَوفِ بمَا كانُوا يَصنَعُون " النحل/112. وقد تضمنت السنة النبوية الكثير من الأحاديث التي تحذر من الخروج على الحاكم وشق عصى الطاعة ومفارقة الجماعة وما ينجم عن ذلك من أخطار محدقة نذكر منها على سبيل الاستدلال ما يلي: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن الله يرضى لكم ثلاثاً: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً، وأن تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولاهُ اللهُ أمركم". وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث خصال لا يَغِلُ عليهن قلب مسلم أبداً وهي إخلاص العمل لله ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة". وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمل عليكم عبدُ حبشي كأن رأسه زبيبة" – أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أنس رضي الله عنه – وما ابتُليت الأمة الإسلامية إلا حينما شذت عن المنهج الصحيح واتبعت الغرب في دروبه وصدّقت ألاعيبه وتوهمت أنه جاء ليرسخ مبادئ زينها بمعسول الكلام وماهي إلا أوهام فصدق ضعاف الإيمان ذلك فباعوا أنفسهم وأوطانهم للشيطان وأصبح دم هؤلاء الأطفال الأبرياء وهذا الدمار في رقبتهم جميعاً لأنهم خرجوا عن مقتضى الشرع وعاثوا في الأرض مفسدين ولم يرعوا صالح الجماعة مهما كان الخلاف الفكري أو العقائدي وسمحوا للذئاب أن تنهش أجساد أهليهم وذويهم على مرأي ومسمع منهم دون أن تتحرك فيهم النخوة لا لشيء إلا الرغبة المحمومة في إقصاء الحاكم وبالتالي لم تكن سوريا مرتعا مباحاً مستباحاً للجميع إلا بفعل أهلها وهذا هو ما جنته يداهم.