دموع.. على أستار الكعبة - بقلم: حسام فتحي

.. تختفي المشقة.. ويتلاشى عناء الرحلة.. وتنسى وعثاء السفر في اللحظة التي يرتد فيها اليك البصر فرحا منتشيا بعد ان يقع على «الكعبة» المشرفة، بيت الله الحرام الذي بارك من حوله.

فجأة يسود الصمت رغم ارتفاع دعوات البشر وهمهماتهم وبكائهم وانتحابهم.. يغيب عقلك عن كل ما حوله الا التفكر في وحدانية الله.. وجلاله وعظمته سبحانه وتعالى، تغشى حواسك سكينة ربانية تفرضها هيبة المكان المليء بالبشر دائما وأبدا، فلا ترى عيناك سوى هذا المكعب المقدس بأستاره السوداء ولا تسمع أذناك سوى حفيف أجنحة حمائم الحرم التي تطوف مع الطائفين، ولا تشعر إلا وجبهتك تهوي ساجدة.. ولسانك يلهج «سبحان ربي الأعلى».. وقلبك يخفق «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين».

توقفت عن كتابة مقالي اليومي أياما استعدادا معنويا للرحلة الروحية، وحاولت الابتعاد ـ قدر المستطاع ـ عن أضغاث الحياة وملمات الدنيا وتوافه الأرض التي لا تساوي في ملكوته جناح بعوضة، حاولت الالتفات عن «الحرائق» التي تصاعد لهيبها في انحاء المحروسة والتغاضي عن معركة الداخلية ونقابة الصحفيين التي انتمي اليها، والاغتيالات الغادرة لخير جنود الأرض،.. حاولت جاهدا ألا يشدني أمر مهما عظم عن محاولة تطهير النفس، وإعداد الروح وتجهيز الفؤاد وملء القلب بالايمان استعدادا لرؤية أطهر بقاع الأرض وزيارة سيدي وحبيبي رسول الله محمد بن عبدالله عليه وعلى آله وأصحابه أفضل الصلاة وأحسن السلام.

لحظات لا تقاس بمعايير زماننا، ولا بعقارب ساعاتنا، لا تعرف ان كنت وقفت شاخص البصر، مسلوب اللب، مأخوذ الفؤاد مدة دقيقة أو ساعة أو نصف يوم،.. لحظات تتذكر فيها كل من أوصاك بالدعاء وتبدأ تسليم «أمانة» الدعاء.. بين طلب بالشفاء من مرض عضال لقريب، ورجاء بالصحة والستر لصديق ورغبة في الحج لعزيز،.. وابتهال بالصبر والسكينة لشقيق دنيا ابتلاه المولى بفقد «ابنه الشاب» ليختبر إيمانه وصبره على قضاء الله وقدره، فاعتصره وجع «الفقد» وسحقه ألم البعاد وصهرته نار الفراق.. لكنه صبر واحتسب أمره عند الله الرحمن الرحيم.

وقبل ان ألهج بالدعاء لكل هؤلاء، من أوصى ومن لم يوص، وجدت كل حواسي تهتف بكل ما فيها من وجد وشعور هتافا صارخا.. رجّ كل كياني دون ان يسمعه أحد سوى السميع العليم.. يا رب.. مصر.. يا رب أرض الكنانة.. يا رب احفظها وأهلها واجعلهم في أمانك وإحسانك، واجعل لهم من كل هم فرجا، ومن كل بلاء عافية، ومن كل ضيق مخرجا.. يا رب احفظ أمتنا ورسخ استقرار بلادنا ولا تدعنا لمن يشرذم أهلها ويفتت وحدتهم، يا رب اكشف الغمة عن الأمة وأطفئ بحولك وقوتك نار الفتنة واجعلنا على قلب رجل واحد.

اللهم احفظ مصر وأهلها من كل سوء.

وحفظ الله مصر وأهلها من كل سوء.