هذه في العمق قضية وجود لا تعالج بتصريحات المسؤولين ولا بالمقالات الغاضبة، لذلك عندما يضع الأمين العام للأمم المتحدة تقريراً يمثل مؤامرة العصر التي ستصيب شعوباً ودولاً بعينها، ويغلّفه بدوافع إنسانية ويسنده الى مسوّغات تاريخية ويسحبه على أسس قانونية دولية، فإن أقل ما يجب على بلد مثل لبنان سيكون مهدداً في مستقبله وإستقراره وتوازناته الديموغرافية، ان يشكل وفداً سياسياً وقانونياً وان يقدّم شكوى معللة الى مجلس الأمن، ويرفع دعوى أمام محكمة الجزاء الدولية يتهم فيها بان كي - مون ومعاونيه بالتآمر وتهديد لبنان في مستقبله واستقراره وهويته الوطنية.
سيكون على السلطة الفلسطينية قبل غيرها ان تنضم الى هذا التحرك، لأن الأمم المتحدة على يد أمينها العام تناقض كل قراراتها التاريخية المتصلة بحق العودة، عندما تدعو صراحة الى إسقاط وتجاوز حق اللاجئين والمهجرين هرباً او قسراً، في العودة الى بلادهم وأوطانهم والإحتفاظ بهويتهم الأصلية، بدل الحصول مخاتلةً وفي ظل مسوّغات إنسانية كاذبة على هوية البلدان التي نزحوا اليها، وهو ما يمثل مكافأة عبيطة وقبيحة للأنظمة والحكومات المجرمة التي دفعت مواطنيها الى اللجوء ومعاقبة للدول والمجتمعات التي تحمّلت أوزار هؤلاء النازحين.
في 19 أيلول المقبل ستدرس الأمم المتحدة تقريراً قبيحاً من 39 صفحة، وضعه بان كي - مون ومعاونوه واختاروا له عنوان " بأمان وكرامة. التعامل مع التحركات الكبيرة للاجئين والمهاجرين"، وليس في مضمون هذا التقرير أي شيء له علاقة لا بالكرامة ولا بالأمانة، لأنه ينزع عن اللاجئين حقهم في هويتهم الأصلية، وفي أرضهم ويدوس كرامة الدول التي استقبلتهم بفرضهم عليها مواطنين مجنّسين، وهو ما يؤدي تالياً الى استيلاد مجموعة من الأزمات والإنفجارات أسوأ من تلك التي دفعت اللاجئين أصلاً الى مغادرة بلادهم.
ان لبنان الذي تكرّم بان كي - مون بذكره بلداً مرشحاً لا بل مدعواً لتجنيس السوريين والفلسطينيين لن يبقى من لبنانيته شيء يذكر، لأن فيه اليوم أكثر من مليونين ونصف مليون لاجئ، أي ما يوازي خمسين في المئة من عدد سكانه، وسبق له ان عانى كما هو معروف المشاكل والأزمات والحروب من قضية اللجوء الفلسطيني، الذي لا تقارن أعدادهم بأعداد السوريين الذين قفزوا اليه.
منذ بداية مؤتمرات المانحين تلقى لبنان كثيراً من أكاذيب الملايين والمليارات مع ان استقراره وهويته ليسا للبيع ولا للتجنيس، واذا كان الهدف ابعاد كأس اللجوء عن اوروبا ففي وسع هذا الشاطئ اللبناني ان يغرق جنوب أوروبا بمئات الآلاف من السوريين، ليس بهدف الحصول الانتهازي على حق الدخول بالشنغن على طريقة أردوغان، بل لإيقاظ الأمم المتحدة على خطورة المؤامرة التي بانت.
إسقاط حق العودة وتخريب الشرق الأوسط... مفهوم؟