فى ظلال الثورة المصرية
 اليوم وبعد مرور شهر على بداية الثورة المصرية الشعبية .. ثورة 25 يناير .. تظل كثيراً من الأسئلة والاستفسارات مطروحة من قبل شعب مصر كله وليس فقط من الشباب المرابط بميدان التحرير.. ونبدأ بالسؤال المحورى الذى يدور فى الأذهان وهو .. هل حقاً مصر تغيرت بعد 25 يناير ؟
 الحقيقة ان التغيرات التى حدثت للآن لم تلبي طموحات وتطلعات الشعب المصرى الصابر والمتطلع لغد مشرق .. تحققت بعض المكاسب.. لكن مازال هناك الكثير لم يتحقق .. ومن ابرز المكاسب التى تحققت .. خلع الرئيس مبارك من مقعد الرئاسة .. رغم انه بحكم السن والمرض وبحكم قرب انتهاء فترته الرئاسية فى سبتمبر كان من المحتم ان يرحل .. إلا ان خلعه بإرادة شعبية ثورية كان انتصاراً لتلك الإرادة .. يضاف لهذا الإنتصار مكاسب اخرى حدثت كتوابع له .. منها رحيل جمال مبارك واختفائه عن الساحة السياسية وأفول نجمه واجهاض وإبطال مشروع توريثه حكم مصر .. وكذلك اختفاء بعض الوجوه الشائخة الشائهة الفاسدة المفسدة للحياة السياسية .. و كذلك حل مجلسي الشعب والشورى .. الى هنا وتنتهى تقريباً المكاسب الحقيقية للثورة .. وان اردنا ان نضم مجازاً بعض المكاسب الأخرى .. فسيكون منها بالتأكيد الموقف الإيجابى للجيش المصرى مع الشعب .. حيث رفض ان يكون اداة للقتل والتنكيل بشعبه من اجل فرد .. حتى لو كان هذا الفرد هو القائد الأعلى للقوات المسلحة ورئيس الجمهورية .. خاصة وأن هذا الرئيس قد هرِم وشارف على الموت ويريد توريث مقعده لإبنه المتعالى .. متجاهلاً ومتخطياً كل كفاءات الدولة وقادة الجيش العظام .. الذين ضحوا وما زالوا على استعداد للتضحية من أجل الوطن .. لقد كان انحياز الجيش لإرادة الشعب وعدم خسارته حب وتعاطف هذا الشعب تصرف فى غاية الحكمة .. كذلك ومجازاً ايضاً يمكن اعتبار تعديل بعض مواد الدستور خاصة المتعلقة برئيس الجمهورية ترشيحاً وفترةً مكسباً ثانوياً .. الى هنا ونسدل الستار على المكاسب و التغيرات الحقيقية والمجازية .
و نصل للأسئلة االتالية وننقلها مباشرة من فم الشعب الصابر .. واولها السؤال الأكثر اهمية وخطورة وهو هل قرارات الرئيس السابق حسنى مبارك التى اصدرها عند تنحيه قرارت دستورية وشرعية ؟ ام ان اسقاط الثوار لمبارك نزع منه دستورية وشرعية اصدار القرارت ؟ و هل حكومة احمد شفيق دستورية ؟ وهل يجوز لرئيس الوزراء ان يرأس رئيس الدولة أو القائم بأعمال رئيس الدولة ؟ الحقيقة انها اسئلة شائكة وملغومة ونحتاج فيها الى فتوى اهل الخبرة والتخصص رغم اننا سنجتهد فى الاجابة عليها .. واوا خطوات تلمس الإجابةهو الإحتكام الى الدستور الذى كانت تُحكم به البلاد وقت تنحى الرئيس السابق و لنقرأ سوياً المواد المتعلقة بتفويض الرئيس لسلطاته وهى المواد الاتية (82 ) و (83 ) و (84) : مادة(82): إذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه، ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشوري أو إقالة الوزارة.
مادة(83): إذا قدم رئيس الجمهورية إستقالته من منصبه وجه كتاب الاستقالة الى مجلس الشعب.
مادة(84): في حالة خلو منصب رئيس الجمهورية أو عجزه الدائم عن العمل يتولي الرئاسة مؤقتا رئيس مجلس الشعب، وإذا كان المجلس منحلا حل محله رئيس المحكمة الدستورية العليا، وذلك بشرط ألا يرشح أيهما للرئاسة، مع التقيد بالحظر المنصوص عليه فى الفقرة الثانية من المادة82.
ويتم اختيار رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما من تاريخ خلو منصب الرئاسة .. وبناء على القراءة للمواد عاليه وبناء على شرعية الثورة التى اسقطت الرئيس مبارك واسقطت عنه الشرعية .. تصبح كل القرارات التى اصدرها الرئيس السابق مبارك عند تنحية باطلة بطلاناً تاماً .. وبالتالى عدم شرعية تولى الجيش حكم البلاد .. لأن ذلك يخالف الدستور ولا يستند لشرعية ثورة 25 يناير. .. إلا ان الموقف النبيل للجيش مع الشعب اثناء الثورة جعل الشعب يتغاضى عن عدم الدستورية وعدم الشرعية هذه .. وتقبل بصدر رحب تولي الجيش حكم البلاد لفترة انتقالية .. وبهذا القبول من الشعب أُصبغت الشرعية على حكم الجيش الى ان يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد وانتخاب اعضاء مجلسى الشعب والشورى. واجابتنا السابقة تجعلنا نصطدم وبشدة بباقى السؤال ، عن شرعية حكومة شفيق وعمن يرأس الآخر الرئيس أم رئيس الوزراء ؟ الحقيقة ان حكومة شفيق غير شرعية .. لأن شرعيتها سقطت بسقوط من كلفها.. أى بسقوط مبارك .. وكان من المتوجب على شفيق تقديم استقالته فى حينه .. اما عن الشق الثانى للسؤال .. فإجابتة واضحة .. فرئيس الدولة له الرئاسة والولاية على رئيس الوزراء .. لكن للأسف فى الحالة المصرية نجد ان الأمر مُلتبس .. لماذا ؟
 دعونا نوضح ذلك بهدوء وتؤدة لأن الأمر فعلاً محير .. المشير طنطاوى وزيراً فى وزارة شفيق التى حلفت اليمين أمام الرئيس السابق مبارك .. أى انه يعمل تحت رئاسة شفيق كوزير للدفاع قبل تنحى الرئيس مبارك .. وعند التنحى كلف الرئيس مبارك المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شئون البلاد .. مما جعل من المشير طنطاوى رئيساً للبلاد بصفته وزيراً للدفاع ورئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة.. وهنا تنشأ الإشكالية .. ويثور السؤال المسكوت عنه وهو كيف يكون المشير طنطاوى وزيراً يرأسه شفيق وفى نفس الوقت رئيساً للبلاد ويرأس شفيق ؟ لقد كان من المتوجب وحلاً لتلك المعضلة ان يُصدر المجلس العسكرى اول قرارته بحل حكومة شفيق .. حتى ولو تم تكليف شفيق بتشكيل الوزارة ثانية .. لأن ذلك كان سيعدل الوضع وينهى تبعية المشير لشفيق فى الوزارة القديمة .. وكذلك ينهى عدم شرعية حكومة شفيق بصفتها مكلفة من مبارك ..ويكسبها شرعية جديدة بموجب قرار تكليفها من المجلس العسكرى وبحلفها يمين جديدة امام المشير طنطاوى بصفته رئيساً للمجلس العسكرى ووزيراً للدفاع ..ونطرح باقى الأسئلة تباعاً وهى: لماذا لم يتم حل حكومة شفيق كمطلب شعبى وبعيداً عن المعضلة عاليه ؟
 ولماذا لم يتم تشكيل مجلس رئاسى من مدنيين لإدارة شئون الدولة لفترة انتقالية ؟ .. و يتفرغ الجيش لمهامه الموكلة اليه .. ولماذا لم يتم الغاء العمل بقانون الطوارئ أوعلى الأقل تحديد تاريخ محدد لوقف العمل به ؟ ومن يطرح هذا السؤال يعلم جيداً ان البلاد تمر بمرحلة انتقالية حدث فيها خلل أمنى بسبب انسحاب الشرطة انسحاباً مخزياً من الجبهة الداخلية .. و تخليها عن واجبها الوطنى المقدس فى الدفاع عن الشعب الذى رباهم وعلمهم وأنفق عليهم .. بل ان المفارقة المحزنة والمخزية هى تبدل الأدوار حيث تحول بعض رجال الشرطة الى قتلة ولصوص وبلطجية و تحول الشعب الى رجال امن ابطال وشرفاء . 
 والسؤال التالى هو لماذا لم يتم تشكيل هيئة تأسيسية من الفقهاء الدستوريون لوضع دستوراً جديداً للبلاد ؟ يحقق كل الطموحات والآمال والمطالب السياسية والإجتماعية والإقتصادية ويطلق الحريات كافة وحرية الممارسة السياسية وحرية انشاء الأحزاب خاصة .. ويتيح لأهل مصر تنسم الحرية على الدوام .. ويحد من السلطات المطلقة لرئيس الدولة .. ومستنداً لشرعية ثورة 25 يناير .. والسؤال التالى هو لماذا لم يتم محاكمة الرئيس مبارك و اسرته سياسياً وجنائياً ؟
ولماذا لا يتم استرداد اموال وثروات الشعب المصرى التى اغتصبها مبارك واسرته وأقاربه واصهاره ومعارفه ؟ و لماذا لايتم فتح كل ملفات الفساد المالى والسياسى والإدارى والوصول لأصحابها بسرعة .. وهذا ميسر من خلال الجهات الرقابية كالجهاز المركزى للمحاسبات ومن خلال الملفات القضائية التى اغُلقت دون اتمام الحساب والمحاكمات .. ومن خلال كل ما نُشر وسُجل بالصحف وغيرها ؟ ولماذا الإكتفاء فى هذا الشأن ببعض روؤس الفساد الأكثر شهرة مثل عز وجرانه والفقى والمغربى ؟ رغم ان البحيرة اسنة ومليئة بكل انواع القروش والحيتان والوحوش الفاسدة الشرسة .. والسؤال التالى هو لماذا يظل النظام القديم قائما حتى الآن .. وما زال على حاله ثابت الأركان قوى البنيان ؟ ولم يلاحظ احد اجراء أى تغييرات جوهرية فى مؤسسات الدولة أو لقيادتها .. والسؤال التالى هو لماذا لم يتم محاكمة جهاز الشرطة الى الآن بتهمة الخيانة العظمى بسبب تخليها عن حماية الجبهة الداخلية والغاء جهاز امن الدولة الذى هو فى الحقيقة جهاز امن النظام ؟ واستبدال افراد جهاز الشرطة بالكامل على اختلاف رتبهم بضباط وجنود من الجيش بعد تنظيم دورات تدريبية مكثفة لهم فى العلوم الشرطية وطرق البحث والتحرى وكيفية استخدام التكنولوجيا وادواتها للكشف عن الجرائم .. وابعادهم نهائياً عن اساليب العنف والقهر والبلطجة التى كان افراد الشرطة السابقون الخائنون لا يعرفون ولا يجيدون غيرها .. ونذكرهم بأنهم ابناء هذا الشعب الكريم.. وليسوا اسياده وليسوا غرباء عنه .. وان جهاز الشرطة ما وجد إلا للحفاظ على أمن وكرامة الوطن والمواطن .. وابداً لم يوجد هذا الجهاز للتعالى والغرور على المواطنين .
تلك اسئلة ملحة تجرى على الألسنة وتدور بالأذهان وتنتظر اجابات واضحة وشافية . وننتظر رأى الفقهاء .. وهل تعطيل الدستور قد اسقط منطق بعض هذه التساؤلات ؟