تعلم من أحزانك
 تعلمت من أحزاني الكثير,فالحزن غالبا ما يكون حافزا للإبداع, فيجد الإنسان نفسه اكثر إيجابية على عكس ما يتوقع الأخرون له, وأول شئ تعلمته من أحزاني: أن انظر إلى الحدث من الإتجاهين ,فأرى الإيجابي و السلبي معا وبعد ذلك أحدد موقفى . كما تعلمت أن أوجه إلى نفسي أوامر أكثر ذكاء, بمعنى ألا اترك نفسي لمشاعري الوجدانية فقط, بل أشرك عقلي مع قلبي, بمعنى أن نحتكم إلى عقولنا, حتى تسير الحياة بشكل منسق وايجابي, مما يمنح طموحاتنا الفرصة الأكبر لتحقيقها . تعلمت أيضا: أن أترك الماضي بذكرياته المميتة, يسبح في بحار النسيان ,وأن أحاول أن أستخلص منه: ما يجعلني أكثر حماسا وقوة, حتى أحقق ما تمينته طوال سنوات مضت. فكثيرا ما يغفل المرء عما بداخله من أمنيات وطموحات,حتى يخيل إليه أنها قد دفنت في الجانب المظلم من نفسه,مما يجعله متشككا فى قدرته على تحقيقها. صحيح أنه ليس كل ما يتمناه المرء يدركه, لكننا ,علينا أن ندرك أننا ما زلنا على قيد الحياة, وأن الفرصة مازالت موجودة لتحقيق الأمنيات, وانه قد آن الأوان أن نفيق من غيبوبة السنوات الماضية ,وان ننفض عن عقولنا وقلوبنا التراب العالق بها, وان نشق طريقا جديدا , بإرادتنا وحماسنا , حتى تستنير عقولنا, وتفتك بالجانب المظلم من وجودنا . أنا الآن مثلا : أجد نفسي أكثر عزما وتصميما على النجاح , وتأكيد الذات, وقد استمديت هذا العزم وهذا التصميم, من مثلين للصلابة والابداع, أولهما هو أبي الحبيب, الذي استطاع بصبره وايمانه بالله وبنفسه:
 أن يتحدى ظروفه الرهيبة,ولم يسمح لليأس أن يعرف طريقه الي عقله وقلبه.
قصته تبدأ من طفولته, وكان هو من أسرة شديدة الفقر, تعيش في قرية نائية, بعيدة كل البعد عن مظاهر المدنية, ومع ذلك فقد كان طالبا متفوقا,وعاشقا نهما للمعرفة والثقافة, سواء تلك التى كان يحصل عليها من كتبه الدراسية, أو من مكتبة المدرسة, مما جعله متميزا على أقرانه دائما. وعندما جاء الوقت الحاسم, لدخول الامتحانات التي ستؤهله للالتحاق بالمرحلة الدراسية التالية, بعد انتهاء المرحلة الابتدائية, لم يستطع دفع رسوم هذه الامتحانات, لعدم قدرة أسرته على سدادها. لكن قلبه ظل ينبض بالأمل واليقين بأنه: سوف يكمل دراسته, وانه سيصبح ذات يوم شخصية بارزة فى مجتمعه,فقد كان يحلم أن يصبح كاتبا معروفا. وبالفعل تقبل الله دعاءه, وبعث إليه بمن ستحقق على يديه أمنيته , فقد زار مدرسته أحد الموجهين , الذين يختبرون مستويات التحصيل الدراسى للطلبة , ليجد طالبا متفوقا , سريعا الاجابة على كل ما طرحه من أسئلة, وهو أبى بالطبع , فيعجب الرجل بأبى , ويعرف مشكلته , فيقرر دفع جميع الرسوم المطلوبة ليتمكن أبى من إكمال تعليمه, وهكذا واصل أبى دراسته , ليصبح الان واحدا من كبار المبدعين العرب فى أدب الأطفال وإلى الآن سأظل أتذكر دائما كلمته لي" الأمل لا يخبو مادمنا أحياء, وستنجحين".
 أما المثال الثاني, فهو قدوة لطالما احتذيت بها, رمزا للقوة والصبر والإيمان . إنه نموذج للرجل الذي تعرض لظلم وقهر شديدين، فلقد تعرض للاعتقال السياسي لمدة أربع سنوات كاملة , تدهورت فيها صحته,وأرتبك عمله , وأنشق حزبه إلى فصيلين متنازعين, ولكنه استطاع أن يتحدى قضبان معتقله , و لم يجف قلمه يوما عن الابداع, والتنديد بما يمر به وطنه من محن لا تعد ولا تحصى . إنه ابي الروحي,ومعلمي ومنارتي للكتابة, هو الدكتور والناشط السياسي ايمن نور .والذي سأظل أتذكر كلمته لي قبل مغادرتي البلاد, عندما قلت له: تذكرني بالخير, رد قائلا: سأتذكر الخير بك. تحية مني لأبويّ المبدعين. وسأظل أكتب وأكتب, ولن أستسلم لأية لحظة من لحظات اليأس التى قد تمر أحيانا بنا , عازمة على تحقيق ما يمكن تحقيقه من أحلام وأمنيات لا تزال كامنة فى أعماقي . أخيرا : "لا تترك نفسك يوما فريسة للحزن يفتك بك ,ولكن استثمر أحزانك للإبداع , وانظر دائما إلى ألأمام, ناسيا كل ما مر بك من ألام , وتنشق نسيم الأمل مع كل صباح جديد.