فوق الستين

شاب كغيره من الشباب أتي للقاهرة ليبحث عن وظيفة أو عمل ، يستطيع به أن يثبت ذاته بأنه قادر على تحمل المسئولية ، وليهرب من جحيم البطالة أو كلمات الاستهجان التى يسمعها كل يوم ، سواء من والده أو من يعوله ، أو حتى من محبوبته التى تتعرض للضغط من أهلها بحجة أنه عاطل ولا يستطيع أن يبنى بيتاً ، فكيف سيكمل حياته ؟
 
الكلام مقنع بالنسبة للأسرة وأيضاً للشاب نفسه ولأى فتاة تقع في نفس الظروف ، ولكن نتوقف قليلاً . ونسأل والد الفتاة حين فكر في الزواج هل كان يعمل أم لا ، وما مقدار الدخل آنذاك وكيف كانت نظرة الأهل له عندما فكر في هذا ، كانت هناك مشاركة معنوية ومادية من الجميع ، لماذا ؟ لأنه سوف يكمل نصف دينه فقط ، وليس لأنه لا يملك شقة أو حتي سيارة أو دخل مناسب ، مع العلم أن الرزق بيد الله ، وأن من يفكر في الزواج فإن الله يكون في عونه ، ثم تأتي البقية من جانب أهله أؤ حتي أهلها فكثيراً ما نسمع أن أهل العروسة يساعدون في التكاليف ويعملون بالمثل البلدي القائل « اخطب لبنتك ولا تخطب لابنك» .
 
هذه المقدمة جعلتني أنظر للواقع الذي نعيشه ، ومدي قسوة الظروف التى يتعرض لها الشباب ، والصعوبات التى يواجهها والتي تتطلب منه أن يعمل فترتين أو ثلاث لجمع المال ، وإن كان في عمل غير مستقر وغير مجدِ له ، وإذا سألته فالإجابة معروفة «طيب أعمل إيه .. هو دا اللي موجود» ، هذه فئة من الشباب ، أما الفئة الأخرى التي لا تفكر في الزواج وإنما تفكر في وظيفة يكون أجرها عالياً ، ولا يجهد نفسه فى البحث عن عمل أياً كان ، وينتظر إلى أن تأتى الفرصة المناسبة ويكلف ولى أمره الكثير ، لأنه ببساطة «عاوز يبقي مدير مرة واحدة» ، وفئة أخرى تتمنى أن تعمل لدى الحكومة عملاً بالمثل القائل « ان فاتك الميرى ...... « والفئة الرابعة هى المحظوظة لأنه يعرف جيداً أن مكانه محجوز وفي أى وقت وبالسعر المناسب «وياريت يعجب» .
 
الشباب .. الشباب .. الشباب .. هذه الكلمة الرنانة والتى نسمعها من أى مسئول جديد على منصبه ، بل أضافوا إليها كلمة تمكين ، أتعجب وأقول أين هو ؟ ، وعندما أذهب إلى أى جهة عامة أو خاصة أجد فيها كبار السن «فوق الستين وعلى المعاش» هم من يتحكمون بالإدارة وبالتالى الفكر قديم وعقيم ، ويؤدى إلى الوضع «محلك سر» ، ليس هذا فحسب وإنما يتقاضون مبالغ خرافية بحجة»الخبرة» أو لأنه من أصحاب العلاقات الشخصية «مخلصاتى» ، أو إنه ابنه متزوج بإبنة صاحب الشركة «مصلحة» ، وغيرها من الأسباب التى لا محل لها من الإعراب .. أنا لست ضد هذا لأنه الواقع بالفعل ولكن من الممكن أن يكون بطريقة أخرى ، فالرجل صاحب الخبرة عاش حياته واكتسب ما اكتسب خبرة ومادة ، إذا أستطيع أن أستعين به وإعطائه مكافأة بسيطة مقابل خبرته ومقابل نقلها للصف الثاني والثالث .
 
الغريب في الأمر أن من يحال في الحكومة للمعاش يتم التجديد له أو تعيينه كمستشار بمبلغ كبير ولنفس الأسباب السابقة ، فتجد أن هناك «عشرتاشر « مستشار ، المهمة الأساسية لهم تحصيل المرتب أو المكافأة أو الحافز على حسب كل هيئة أو مؤسسة أو شركة ، الأدهي من ذلك أنهم لا يستمعون للشباب خوفاً منهم وأيضاً خوفاً على مراكزهم . حينما أذهب إلى إحدى الأماكن السياحية أجد الرجل فوق الستين وبرفقته زوجته جاءوا ليستمتعوا ببقية عمرهم ، تاركين الشباب في بلدهم يأخذون الفرصة «جيل بيسلم جيل» ، وبالتالى ليس هناك بطالة كما فى مصر ، هذا ما يجعلني أفكر وأطرح السؤال ، هل نستطيع أن نفعل مثلهم أم أن «البحر بيحب الزيادة» . السادة المسئولين.
 
 راجعوا أنفسكم وانظروا للشباب نطرة أخرى ، هناك شباب محترم مكافح دؤوب .