تحليل بقلم محمد عبد العزيز
لماذا أطفأت السراج يا أمير المؤمنين ؟ هذا السؤال وجهه أحد ولاة الدولة الإسلامية للخليفة العادل عمر بن عبد العزيز عندما كان يجلس إليه ينقل له أحوال ولايته . أجاب الخليفة عمر : عندما كنت أتحدث معك عن أحوال عموم المسلمين كنت أشعل السراج . أما وان بدء الحديث عن أمور دنيوية ، فلابد من إطفاء السراج لان الزيت الذي به من بيت المسلمين ولا يجوز لنا استخدامه في أمورنا الشخصية . لله درك يا عمر .. لماذا لم يعي رسالتك الفاسدين ؟ تساقطت دموع المصريين كثيرا في الخمسة عشر يوما الأخيرة كثيرا منذ بدأت أحداث الثورة الشبابية الرائعة مطلع 25 يناير . ومن ضمن المشاهد التي أبكتني .. إمام الحرم النبوي بالمدينة المنورة يدعو في صلاة الجمعة بأن يعم الأمن والأمان مصر وأجهش الشيخ السعودي بالبكاء على الشهداء الذين حصدتهم المواجهة مع الشرطة بميدان التحرير . أبكتني الفزعة الهائلة للاخوة الكويتيين والحزن العميق الذي كان ولا يزال يكسو وجوههم وتفاعلهم مع الأحداث التي تمر بها بلادي وتعاطيهم الايجابي سواء في الشارع أو في الدواوين أو من خلال وسائل الإعلام المختلفة ، وبرهنوا على أن المسلم للمسلم كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى . ومع ذكر هذا التضامن العربي الإسلامي الجميل الذي جسده مواطنو بعض الدول العربية وخاصة السعودية والكويت دعاني الإعلامي الكويتي الأستاذ ماضي الخميس لحضور المنتدى الثقافي الشهري " الصالون الإعلامي " بعنوان – مصر إلى أين – بحضور نخبة من الإعلاميين والاكادميين كويتيين ومصريين ، كل أدلى بدلوه في أحداث الثورة المصرية . وجاءت كلمتي مقتضبة جدا نظرا لضيق الوقت لو كان فيه متسعا لأسهبت في الإجابة عن هذا السؤال المهم بالكلمات الآتية :- أجاب الله في كتابه الكريم عن هذا السؤال حينما ذكر في سورة يوسف " فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " هذه الآية تمنحنا مساحات شاسعة من التفاؤل أن الأمان والاستقرار قادم إلى مصر لا محاله بضمان وشهادة الرحمن . مكانة مصر . مصر التي شرفها الله بالذكر في القران خمس مرات وأوصى رسولنا الكريم صحابته عليها وقال عنها الصحابي الجليل الفارس الفاتح عمرو بن العاص أنها تربة سوداء وشجرة خضراء وواحة من الأمن والأمان والاطمئنان . مصر التي شرفت بمقدم أنبياء الله (إبراهيم ويوسف ويعقوب وعيسي )وقبلهم إدريس أول من خط بالقلم ، أي شرف هذا يمنحنا الأمل والتفاؤل بأمن قادم وأمان ورخاء إن شاء الله . مصر التي دعا لها نبي الله نوح ,حينما دعا لابنه بيصر بن خام (أبو مصر) ومن اسمه اشتق اسمها ,فقال ( اللهم بارك في ابني هذا لإجابته دعوتي وفي ذريته وأسكنه أرضاً طيبة مباركة هي أم البلاد وغوث العباد ، وفي التوراة (مصر خزائن الأرض كلها) فمن أرادها بسوء قصمه الله. مصر التي شرفت أرضها ب(حزقيل)مؤمن أل فرعون ,وسيدنا الخضر رفيق نبى الله موسى , وآسية امرأة فرعون, وأم سيدنا إسحاق, ومريم ابنة عمران, وماشطة فرعون, وزليخة زوجة عزيز مصر,ومارية القبطية زوجة رسول الله وأم ولده الوحيد إبراهيم. ان ثورة مصر الشبابية الرائعة ولدت من رحم ظلام دامس جثم عليها لعقود طويلة كساها فيه الفساد والظلم والقمع وكبت الحريات. أسباب الأزمة قال شباب (25) يناير كلمتهم فأذهلوا العالم أجمع وخطفت ثورتهم أنظار الدنيا كلها . (139) دولة ما بين غمضة عين وانتباهتها , أصبح جل اهتمامهم ودهاليز أحاديثهم القدرة الهائلة للشباب المصري علي إحداث الفارق وصموده الرائع أمام نظام تجبر كثيراً ولم يكن يراود خياله أن يحدث ذلك . لكن إذا طمحت للحياة النفوس فلا بد أن يجيب القدر , لكي نجيب نحن البشر بلغتنا عن سؤال مفاده "مصر إلي أين " ؟؟؟ وهو سؤال يستفسر عن مستقبل لذا يجب أن نعرف الأسباب التي أودت بالأمور إلي هذه المرحلة . أري أن مصر عاشت ثلاثة عهود متشابهة إلي حد ما فيما يتعلق بحكامها الذين يتشابهون في أمرين أولهما أنهم يعشقون السلطة ولا يفكرون قط في ترك المقعد الرئاسى طواعية. فلأول مات عنها والثاني قتل عنها والثالث قد يجبر على الرحيل . الأمر الثاني أنهم يتشابهون في تسلم كل منهم السلطة ومصر مثقلة بتركة وهموم كثيرة فلأول جاء على جواد ثورة يوليو وما أدراك ما فساد الملك وحاشيته قبيل ثورة 1952وحريق القاهرة وتعاقب أكثر من رئيس وزراء في فترة وجيزة من1948حتي1952. والثاني (السادات) الذي تسلم السلطة وحوله العديد من المؤامرات الداخلية ,غير ما خلفته هزيمة 1967 من انكسارات علي مختلف الأصعدة . الثالث [ مبارك ] الذي تسلم السلطة بالمشاكل الداخلية وتعملق الجماعات الجهادية داخل مصر خلافا للمقاطعات العربية لمصر جراء معاهدة السلام مع إسرائيل لكن للحق والتاريخ عبد الناصر والسادات كانا يتمتعان ببصيرة نافذة واسراتيجية عميقة الأول كان قوميا والثاني كان مغامرا ، أما الرئيس مبارك فكان عنيدا بيروقراطيا. بدأ عهد مبارك الذي استطيع تقسيمه إلى ثلاثة أجزاء كل جزء عقد من الزمان ففي العشر سنوات الأولى لحكمه حاول الإصلاح الداخلي والقضاء على الإرهاب وأعاد العلاقات العربية ومد يديه إلى كل دول العالم بالسلام والانفتاح الاقتصادي وقاد حملة لسداد ديون مصر وكان ذلك في الفترة من 1981 حتى 1990 . بعدها بدء العقد الثاني من عصر مبارك واستهله بحفر دور لمصر في القضية الفلسطينية ، العقد الثاني بدأ فيه ذلك الغول الذي ولد كبيرا وترعرع في العقد الثالث لمبارك فرعاه وأظله بكل أجنحته اخطأ الرئيس مبارك كثيرا فعقده الأول كان عامرا بالايجابيات لكن مؤشر أدائه هبط في العقد الثاني وتهاوى في العقد الثالث إلى أن سقط . وسيذكر التاريخ أن لذلك السقوط أسباب كثيرة ، اعتقد أن أهمها تسليم نفسه طواعية ومن ثم سلم البلد إلى القيادات الأمنية وبكامل أجهزتها لتتحول مصر إلى دولة أمنية يحكمها نظام قمعي . فساد الداخلية واعتقد أن أسوأ رجل في المنظومة الأمنية طوال العقود الثلاث هو اللواء حبيب العادلي الذي يقبع الآن رهين التحقيق من قبل النيابة العسكرية التي لطالما ظلم كثيراً من المصريين المدنيين بالتحقيق معهم وإيداعهم المحاكم العسكرية فشرب من نفس الكأس . عاثت الداخلية فسادا في مصر ورعت الفساد براً وبحرا وجوا ، واختتم اللا عادلي وغير الحبيب حياته بأبشع جريمة عرفتها ثورات العالم وهو إصدار أوامره بإطلاق الرصاص الحي على المحتجين يوم 25 يناير الماضي وما تلته من أيام التظاهر لتحصد أرواح ما يزيد عن 300 شاب . الفساد ثم الفساد ثم الفساد الغول الذي استأسد وطغى فلم يقف أمامه احد ، واتى على الأخضر واليابس ، وكان احد أهم أسباب الثورة الشبابية ، فمصر تملك ثراء يكفي أن يعيش 85 مليون هي عدد سكانها حياة كريمة ، لكن سراق المال العام من رجال الأعمال الذين أتى بهم رئيس الوزراء احمد نظيف ليعيثوا فسادا في ارض مصر الطيبة . أرقام حركت الثورة نصل من السرد السابق إلى حقيقة مفادها أن السبب الأول للثورة هو الفساد الذي استشرى في السنوات العشر الأخيرة بشكل مبالغ فيه ، في وقت يعيش فيه 21,6 % من المواطنين تحت خط الفقر بحسب تقرير الأمم المتحدة الأخير عن التنمية البشرية [28 مليون نسمة ] الذي يبين أن ربع سكان مصر تقريبا 20 مليون شاب وفتاة ، ومعدل البطالة وصل 16,2 % وهي تمثل 9% من حجم قوة العمل [25 مليون فرد ] و 7,5 مليون مواطن ذو فقر مدقع نسبة 6,1 من السكان يعيشون في المقابر والعشوائيات وأماكن تعيش من دون خدمات أساسية. ويشير التقرير إلى أن 59 % من شباب مصر يعيشون بالريف وهم يشكلون 85 % من عدد الفقراء ( 28 مليون نسمة ) و4 مليون مصري لا يجدون قوت يومهم ، مصر قبعت فى المركز ال 111 بين الدول الأكثر فقرأ ، غير ان 61 % من الفقراء يعتمدون في طعامهم على البقوليات . 20% من المصريين يمتلكون 80 % من الثروات و 1% من هؤلاء يمتلكون 50 % من الثروات و 99% من هؤلاء يمتلكون ل50 % الباقية فلو فرضنا أن ثروات مصر 100 مليار دولار قيمة بسيطة بحسب تقرير الأمم المتحدة للتنمية البشرية الأخير تصل الى حقيقة مفادها 15 ألف مواطن مصري يمتلكون 20 % من الثروات 15 ألف مواطن من 85الـ مليون رقم مخيف جدا في أروقة الفساد في كل أرجاء العالم . أين العدالة الاجتماعية إذا ؟ فبعد أن أصبح خراب الذمم قاعدة عامة واستشرت الرشوة وبات لكل شي ثمن ومقابل حتى الحقوق لا يمكن الحصول عليها إلا بدفع الرشاوى . الجميع أصبح يصرخ صرخة مدوية لكنها مكبوتة داخله لسنوات ،فمن يموت جوعا ويرى أمامه الممثلين ولاعبي الكره ورجال الأعمال يتقاضون الملايين لابد أن ينكسر ثم يثور , إضافة إلى الإمراض الناجمة عن التلوث بمصر مثل الفشل الكلوي والكبدي عشرات الآلاف يموتون سنويا بسبب تشرد الأطفال وتسول الكبار، والتحرش الجنسي . استيقن الشباب أن التغيير الجوهري لكل السياسات والشخصيات الفاعلة في مراكز صنع القرار أمر لابد عنه . وجاءت الانتخابات البرلمانية الأخيرة لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير فتزويرها كان مسرحية فاضحة أسقطت عن فاسدي الحزب الوطني الحاكم ورقة التوت الأخيرة . فقامت الثورة الشبابية الرائعة لتعيد الروح الوطنية المصرية التى غيبتها الأنظمة البوليسية الحاكمة طوال ستين عاماً قهر وقمع وكبت واستبداد. ثقل مصر الآن والان فقط تنفس الشعب الصعداء إيذانا ببدء مرحلة جديدة يصل فيها كل مواطن إلى حقه من خيرات هذا الوطن الكثيرة والتي كادت أن تحرق كل شيء بمصر إلا إن الله دائما لها خير حافظ ، واخش على هذه الثورة النبيلة الباسلة من محاولة الالتفات عليها من فلول النظام السابق أو من المحاولين قطف ثمار لم يشاركوا في غرسها . المتظاهرون هم أنبل ما أنجبت مصر هم فتية مثقفون واعون استطاعوا كسر حاجز الخوف وأذهلوا العالم بإصرارهم على الحرية والعدل والعيش الكريم . إن أصداء 8 مليون متجمع خرجوا من 20 محافظة تقريبا ترددت بقوة في كل أنحاء العالم لتثبت أن مصر دولة محورية لها ثقلها فى كل الدنيا ، لا يستكين شعبها أبدا ولا يستسلم للظلم مهما تجبر . أين الان حكومة نظيف والفاسدين من وزراءه ومحاسبيهم وأقاربهم الذين نهبوا ثورات وخيرات مصر ومعهم أباطرة الحزب الوطني الذين ظنوا أن مصر "عزبة " تحكموا فيها كيفما يشاءوا وما على الشعب إلا العمل في هذه العزبة لجنى ثمار العنب ويسلمونها للأباطرة الفاسدين ليزدادوا فساداً وتكبراً , أين هؤلاء من أقصوصة السطر الأول في هذا المقال ؟؟ وماذا سيقولون لربهم يوم لا ينفع مال ولا بنون ؟؟ وأخيرا بعد أن عرفنا أن الفساد هو المحرك الأساسي لهذه الثورة نستطيع أن نؤكد على انه حال توافر قيادات تتم بالنزاهة والإخلاص مع الفهم الثاقب والخبرة اللازمة وإنكار الذات وحب مصر سيكون لمصر مستقبل مشرف إن شاء الله واعتقد أن الوجوه المصرية الرائعة التي ظهرت في الآونة الأخيرة أمثال الفريق شفيق والدكتور سمير رضوان والمستشار عبد المجيد محمود النائب العام والمستشار احمد مكي والخبير الدستوري الدكتور الجمل والدكتور فاروق العقدة والدكتور فاروق الباز والدكتور زويل والدكتور مجدى يعقوب والدكتور محمد غنيم والدكتور عمرو حمزاوى وكل هؤلاء الكبار الذين يشير إليهم العالم كله بالإكبار والتقدير ولفظهم النظام السابق من دائرة صنع القرار وحرم مصر من فكرهم الثاقب وعلمهم الوفير وغيرهم من الوجوه الكثيرة التى تبشر بالخير ، وأخيرا مصر إلى آمان واستقرار إن شاء الله .