إن الإسلام ، بل معظم الديانات الأخرى كلها بنيت شخصية الإنسان على سلامة الفطرة وأصالة الفكر، فالذي فسدت فطرته وغامت فكرته هبطت شخصيته، وعلى هذا الاساس وهذه الفطرة يقوم الإصلاح الحقيقي للنفس البشرية.
إن دنيا الناس من الناحية الدينية البحتة، لن تضار من توظيف رجال شرفاء يحسنون الإشراف على وظائفهم لقاء ما يسد الخلة ويقوم بالأود، ماداموا يتقون الله فيما يفعلون وفيما يأخذون. بعض من الناس يستهين بما كتبه الله له من رزق يومه، وإنه قد يطمح إلى تضخيم ثروته وتمكينه من أخذ رشوة، كي يقوم بتخليص معاملة ما، مع أن المعاملة هي حق وواجب، فيقوم المرتشي بطرق غير شرعية باستهانة الواقع وخرق الطرق والقوانين المعمول بها للدين والدنيا.
يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم):
(من أصبح آمناً في سربه، معافي في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها). فعلى المفسد وصاحب الرشوة أن يعرف أن الاكتفاء الذاتي وحسن استغلال ما في اليد، ونبذ الاتكال على الـمُـنى هى نواة عظيمة وسر انتصار على الظروف الـمُـعنتة. إن الرضا بالقسمة قد يكون من الدين وقد يكون العجز الفسادي الذي يزجر عنه الدين،
إن الإسلام يوجب الرضا بالقسمة يوم يكون هذا الشعور النبيل عزاء للمحروم وطمأنينة للمتخلف وحصانة من الجشع، فأما الدنيا التي لعنها الله وازدراها أولو الألباب، فهى دنيا الغرور والمفاسد والمفسدين والأهواء،
لقد رأينا الفساد يتطاول على الغلابة والمساكين الذين ليس في استطاعتهم تلبية رغبة الفاسد، وقد توقف المعاملة نتيجة عدم تلبية الرغبة، فهذا فساد مرفوض في ميدان الحياة عفرها الخزي والحرمان، وكتم الحق ويمحق ليثبت مكانه الباطل.
فمتى يشعر المرء أنه مسؤول أمام ضميره، فالضمير هو قائد الإنسان الذي يهتدي به، ومناره الذي يستنير بنوره في طريق حياته، ولا شك أن الأخلاق لاتزال بخير حتى يخذلها الضمير الإنساني وتخلى عنها، وتولت قيادتها العادات والمصطلحات، واستحالت إلى صور ورسوم الفساد وألاعيبه، فمازال الإنسان يقف أمام المفسد والفاسد ودمعه تترقرق في عينه من كثرة فساده وبؤسه.
فعلى الفاسدين الذين يعرفون أنفسهم أن ينزلقوا إلى مقابرهم، ماداموا لا يراعوا الله في الناس، فسوف تكون رحلتهم هي نهاية المطاف، فكيف يبني هؤلاء الفاسدون أنفسهم وينشأوا مستقبلهم، لابد من حساب دقيق يعتمد على محاسبة النفس والضمير، فانضباط أحوالك متعهد بتعهد نفسك، وإن الجهد المبذول أو الذي يبذله الموظف أو العامل في انجاز أمر من الأمور، له عوض مالي يمكن أن يجعله ثمناً مقبولاً لحياته ولنفسه، وما هو العوض المالي؟
هو أن الجهد والواجب الوظيفي هو جهد مقدم له راتب راضيت به في مقدمة عملك، فما من أي عمل في الحياة إلا وله حساب يضبط دخله وخرجه، وحياة الإنسان هي وحدها تسير على نحو مبهم، فهل أمسك الإنسان بدفتر وسجل فيه رصيده من الحلال والحرام، من الخير والشر، على الإنسان أن يحاسب نفسه تمشياً مع طبيعة دينه وخلقه وحياته ومعيشته.
فوفاء الرجل في وظيفته خليفة يمدح الرجل عليه لما فيه من وفاء في أداء وظيفته ووسيلة أن يحاسب نفسه من قبل، فلا تزال هذه الصورة المفسدة في المجتمعات تنشر ظلاً من الكآبة على الناس.
إن الدين خير كله، وما تصلح الحياة إلا بتعاليمه، فعلينا أقصاء المفسدين في الأرض، وتمكين أصحاب الأيادي البيضاء والأبصار من مراقبة هؤلاء المفسدين. فعزة النفس هي فضيلة يطلبها الدين كي تباشر في المجتمع، فلنغرس العزة في أنفسنا جميعاً ـ إذا شئنا ـ بالضمير المستنير والعقل الواسع والشكر على ما أنعم به الله علينا.
محمد شوارب
كـاتب حـر
mohsay64@gmail.com