الإنتخابات بعمومها فى مصر عقب التغيرات الجوهرية فى المناخ والوضع السياسى بإزاحة أنظمة عن الحكم , وإحلال محلها أنظمة أخرى من خلال ثورتين لايفصل بينهما سوى عامين تقريباً باتت تتسم بالقبول والأهمية لدى المصريين ؛ خاصةً فى ظل الحماسة الشديدة , والرغبة الجامحة فى المشاركة , والروح الثورية المستفيضة , والنية البريئة والصادقة فى التغيير إلى الأفضل , والتى تجسدت جميعها فى الشخصية المصرية الثائرة . إن الحياة السياسية فيما قبل ثورة 25 يناير كانت منعدمة تماماً ؛ من كبت مفرط للحريات فى ظل دولة بوليسية متوحشة , ومحاربة للتعددية الحزبية والسياسية بسيطرة منفردة للحزب الوطنى الديمقراطى لزمام الحياة السياسية فى مصر بأكملها , وغياب لتداول السلطة بالطرق السلمية والشرعية , و وصولاً إلى آخر هذه الفترة السوداوية من تاريخ مصر المعاصر ,
 
ومن هنا إن كل شىء له بداية له نهاية , ولذلك لم يحتمل الشعب المصرى أكثر من ذلك , فهب وإنتفض ليضع حداً ونهايةً لهذه الفوضى وهذا الفساد , وقام بثورتيه المجيدتين , ومن ثم الإنتخابات إكتسبت طابع الشفافية والمصداقية والتحفيز على المشاركة , وإن ثمة تجاوزات طفيفة قد تقع فهى بالطبع واردة ومتوقعة عند كل عملية إنتخابية , وبالمناسبة هذا ليس فى مصر فحسب , بل فى جميع دول العالم , كما أنها ( أى الإنتخابات بطريقتها المعروفة فى ديمقراطيات العالم وليست إنتخابات ما قبل الثورة ) إحدى أبواب الديمقراطية التى فُتحت أمام المصريين للتعبير عن آرائهم وتوجهاتهم , وإختيار حكامهم وممثليهم بحرية تامة وغير معهودة , ولكن هنا ملحوظة هامة أود الإشارة إليها , وبلوغها لعزيزى القارىء: عند إجراء أى عملية إنتخابية تجد المنافسة الشديدة , والهمة العالية لتحقيق الغرض المنشود , ولكن على الجانب الآخر تجد الإتهامات المتبادلة , ورغبة البعض فى إزاحة البعض الآخر من المضمار , وعمليات التشويه والتجريس , وللأمانة هذا هو مناخ الإنتخابات فى مصر , والذى أريد أن أصل إليه هنا هما أمرين :- أولهما: ليس من حققك أيما كانت صفتك أن تتطالب أو تمنع أحد من الترشح وممارسة حقوقه السياسية طالما هذا الشخص تنطبق عليه الشروط وموقفه القانونى والسياسى يتوافق كلياً مع الدستور والقانون ,
 
وهنا لا أشير إلى شخص بعينه حتى لا أقع فى موقع النقد والتشكيك , وإنما أقصد القاعدة فى عمومها , فأنت من حقق فى هذه الحالة الإعتراض على هذا الشخص بعدم إنتخابه وإختياره وليس العكس من ذلك . ثانيهما: أن من يقول الصندوق هو الفيصل والحكم بيننا فأنا أقول له أنت مخطىء لماذا ؟ لأننا لو رجعنا للماضى بضعة سنين , وتأملنا المشهد الإنتخابى جيداً لوجدنا أن الصندوق هذا لم يكن شرعياً ولم يكن معبراً عن إرادة المصريين الحقيقية وتطلعاتهم المشروعة , وإنما كان مُدلساً ومُزيفاً لإرادة المصريين , فهل الصندوق حينئذٍ كان حَكماً وفيصلاً كما تقول وتدعى ؟ وزد على ذلك أن شرعية ومصداقية الصندوق بالأساس مستمدة من الناخبين الحقيقين , فهل كانت صفوف الناخبين قبل الثورة تصطف أمام الصندوق أم كان هناك عزوفاً ورفضاً تاماً لذلك الصندوق ؟ إذاً من الفيصل فى تلك العملية الناخب أم الصندوق ؟ فأنا أقول الناخب ومن ثم لابد من القضاء على الفقر والجهل اللذين من خلالهما ينفذ أصحاب المال السياسى والألسنة المعسولة والخادعة إلى البرلمان وخلافه , وبالتالى إذا كنا نريد برلماناً نظيفاً من الفاسدين والمدلسين , وإذا كنا نريد حكاماً يراعوا حق هذا الشعب فى حياة كريمة فلابد من إفراز ناخبين على وعى سياسى وثقافى يدركون ما هية هذه الإنتخابات وما أهميتها بالنسبة لمستقبل الوطن ومصير هذه الأمة .. حفظ الله مصر جيشاً وشعباً ..