كنت أشاهد البرنامج اليومى الناجح «مصر النهارده»، الذى يقدمه باقتدار الإعلاميون: خيرى رمضان ومحمود سعد وتامر أمين ومنى الشرقاوى على القناة الأولى بالتليفزيون المصرى، وإذا بالزميل العزيز خيرى رمضان يفتتح البرنامج بقصة لها دلالة حدثت مع الدكتورة عالية عبدالفتاح أستاذ طب الحالات الحرجة والقلب، والمشرفة حديثاً على كل وحدات رعايات قصر العينى المركزة.

والقصة كما رويت فى البرنامج بدأت بسفر ما يقرب من عشرين أستاذاً من أساتذة القلب والباطنة لحضور مؤتمر الجمعية الأوروبية لأمراض القلب بمدينة أوسلو بالنرويج، وبعد انتهاء أعمال المؤتمر كانت هناك فرصة لجولات حرة استغلها البعض للتسوق، واستغلتها د.عالية فى الذهاب إلى الميناء وزيارة معهد السلام الذى يتم تسليم جائزة نوبل للسلام فيه كل عام، وتجولت بين صور الفائزين بتلك الجائزة بحثاً عن الشخصيات العربية والمصرية التى نالتها وأشهرها بالطبع الرئيس الراحل أنور السادات، ومرت عبر صور الفائزين فى السنوات المختلفة حتى وصلت إلى الفائز عام 1978 فوجدت صورة مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلى ولم تجد صورة لأنور السادات الذى نال معه الجائزة مناصفةً، ولا حس ولا خبر عنه فماذا فعلت؟

ذهبت د.عالية إلى المسؤول عن هذا المتحف وقالت له بلهجة حادة: كنت أنوى أن أشترى هدية تذكارية من عندكم ولكننى حقاً لا أريد أن أتعامل مع أناس يزيفون التاريخ! واعتلت الدهشة وجه الرجل وهو يسألها: نحن نزيف التاريخ؟ فأجابته بحسم: نعم.. لقد عايشت هذا الحدث وقت أن هز السادات العالم بمبادرة السلام التى نال بناء عليها الاثنان هذه الجائزة مناصفة، فهل جزاء الرجل الذى دفع حياته ثمناً لهذا السلام أن تزيلوا صورته، وتدّعون أن بيجن هو صاحب هذه الجائزة وحده! لماذا لا تنقلون الصورة الصحيحة للشباب الذى لم يحضر هذا الحدث؟ ألا تعتبر هذا تزييفاً للتاريخ؟ أنتم مسؤولون عنه سواء عن عمد أو عن تقصير؟

إننى لن أسكت على هذا التقصير والظلم وسوف أصعد الموضوع إلى أعلى المستويات فى وزارة الخارجية، وأخذ الرجل يعتذر عن هذا الخطأ، وتركته وعادت إلى الفندق لتحكى لزملائها من الأطباء ما حدث، فذهب بعضهم إلى نفس المكان وأبدوا استياءهم من هذا التجاهل أو التزييف أو الإهمال، وفى خلال 24 ساعة، كانت صورة الرئيس السادات قد عادت إلى مكانها، وعادت القصة الحقيقية للفوز بالجائزة إلى مكانها بفضل تلك الطبيبة النابهة التى لم تفرط فى حق بلدها ورئيسها.

والحقيقة أن هناك عدة أشياء يمكن أن نخرج بها من هذه القصة البسيطة، أولها: إننى أعرف د.عالية عبد الفتاح عن قرب، وأعلم أنها ناصرية حتى النخاع، لدرجة أنها قد وضعت صورة عبد الناصر على خلفية تليفونها المحمول، وعلى جدران عيادتها، وتعشق هيكل، وعندما يرن التليفون تسمع الموسيقى التصويرية لفيلم ناصر 56 لمحفوظ عبدالرحمن ومحمد فاضل، وعندما يأتى يوم 28 سبتمبر من كل عام تذهب لزيارة قبر جمال عبدالناصر قبل أن تذهب إلى مكتبها، وربما تقابل أحد أفراد أسرته فتسلم عليه بحرارة، ومع معرفتى بكل هذا سألتها: لماذا فعلت كل هذا مع أننى أعلم أنك مختلفة مع سياسة السادات الذى أعشقه وأرى فيه رجل دولة وسياسياً محنكاً من الطراز الأول ؟ فأجابتنى: من أجل مصر، فبالرغم من اختلافى مع بعض سياسات السادات إلا أنه كان رئيساً لمصر، وفعل أشياء كثيرة لها، والاختلاف والاتفاق لا يكون على شىء يمس مصر، فمصر قبل عبدالناصر والسادات ومبارك وستبقى بعدهم وبعدنا، وكل منهم أدى دوره، وربما نختلف فى تقييمهم ودرجة حبهم، إلا أننا لا يمكن أن نمحو دورهم أونشكك فى وطنيتهم .

أما الملمح الثانى الذى نخرج به من هذه القصة هو السلوك الإيجابى والحضارى الذى اتبعته لإصلاح الخطأ، فنحن دائماً نشكو من اللوبى الصهيونى فى الدول الأوروبية وأمريكا، مع أننا نحن الذين نترك لهم الساحة خالية سواء كنا مواطنين أو مسؤولين أو جمعيات أهلية، فلو أن كل مصرى بالخارج تعامل مع مثل هذه الأمور بجدية وإيجابية لأصبح لنا وزن ووضع مختلف فى تلك الدول، أما ثالثة الأسافى التى نخرج بها من هذه القصة فهى ذلك القصور العجيب من سفارتنا الموجودة بالنرويج، التى بها– إلى جانب السفير– ملحق ثقافى وعشرات من الموظفين، ربما لا يخرجون من مكاتبهم نظراً لبرودة الجو وطول نهار اليوم هناك حيث تؤذن المغرب فى الحادية عشرة مساء والفجر فى الثالثة، وربما كانوا ممن يعشقون نوم القيلولة الذى يطول مع طول النهار.

من كل قلبى أتمنى من الطبقة المثقفة فى هذا البلد أن تبعد عن السلبية وتشارك فى صنع مستقبل أفضل لمصر، وتحية للدكتورة عالية عبدالفتاح على سلوكها الإيجابى من أجل مصر.

من كل قلبى أرسل تهنئتى لكل من فازوا بجوائز الدولة بكل أنواعها وأخص بالذكر الأساتذة: الدكتور أحمد عكاشة، والمفكر الموسوعى د.مصطفى الفقى، والفنان العظيم مصطفى حسين، والشاعر المبدع عبدالرحمن الأبنودى، والكاتب والمفكر الكبير د.إبراهيم البحراوى.. وكل من نال جائزة.. ألف مبروك، وأعتقد أن جائزة مبارك قد تأخرت كثيراً على كاتبنا العظيم أحمد رجب الذى تشرف الجائزة بإهدائها له.