عفوا سعادة السفير.. جالية مصر بالسعودية جديرة بالاحترام
 

بقلم: محمد شاهين
   

نعلم، أو هكذا تعلمنا، أن سفير أي دولة في الدنيا يجعل من خدمة جالية بلاده في الدولة التي يعمل بها أولى أولوياته.
ونعلم، أوهكذا تعلمنا .. أن سفير مصر في أي دولة يجب أن يحترم جالية بلاده، ويفخر بها، فخره بوطنه، فما وطنه إلا شعب مصر العظيم، وما جاليتها في أي بلد من بلدان العالم إلا انعكاسا لهذا الشعب، بحضارته، وكبريائه، وفائه.
ونعلم، ولم نتعلم .. أن معظم سفرائنا، مع الأسف الشديد، كانوا، ولايزال بعضهم، يضعون رضا النظام عنهم، قبل رضا الجالية التي يعملون لخدمتها.
أما أن نجد من السفراء من يقرر أن يكون ضد رغبة جالية هي أكبر الجاليات المصرية في العالم، وقد يراها أقل شأنا من تقرر أو تعبر عن نفسها، أو أنه أعز وأعلى من أن يشاركها فيما قررته، بل وأن يرفض مشاركتها في فعل يدعم النظام المصري في هذذه الأيام العصيبة التي يعيشها الوطن، نظاما، وشعبا، فهذا ما لم نكن نعلمه، ولم يتعلمه منا أحد.
من هنا نبدأ الحكاية.
عندما قرر الاتحاد العام للمصريين بالسعودية أن يكون احتفال الجالية بالذكرى الـ40 لانتصارات أكتوبر المجيدة، مترافقا مع تكريم من الجالية المصرية للدول العربية التي ساندت مصر إبان تداعيات ثورة 30 يونيو، كان يستشعر بصدق أهمية المناسبة وقيمتها، وروعة مواقف الأشقاء وأهميتها، وما شكلته من دعم لا يقدر للدولة المصرية في أوقات من أصعب ما مر على مصر في تاريخها الحديث. لم يكن هناك أدنى شك في استشعار مصر الرسمية لأهمية مواقف الأشقاء والثناء عليها في كل مناسبة، وما حققته من نتائج فارقة دعمت الثورة، بصلابة مكنتها من الصمود أمام تحديات اقتصادية وسياسية ودولية هائلة نعلمها جميعا. ولم يكن هناك شك لدينا أن الشعب المصري، بأغلبيته الساحقة، يعتبر أن تلك المواقف بنبلها وصلابتها هي جميل يجب أن يوفى حقه من الشكر على أقل تقدير. من هنا كانت ثقتنا أن دعوتنا لتكريم تلك الدول من جانب جالية مصرية قوامها أكثر من مليون مصري يمثلون شريحة صادقة وواعية من شعب مصر، ستلقى ترحيبا، بل وسعادة، من جانب سفير مصر بالرياض، بل كنا على ثقة تامة من أن سعادة السفير سيبادر بمساندة تلك الدعوة واستكمال ما يلزمها من دعم رسمي.
المفاجأة التي لم تكن على بال أحد، عندما توجهنا إلى سعادة السفير لشرح مبادرتنا، وطلب دعمه، للقيام من جانبه بدعوة سفراء تلك الدول لتمثيل شعوبهم في هذا التكريم من شعب مصر، كانت عندما رفض سعادته ذلك، وبمنتهى الغرابة. بالقطع لم يرفض سعادة السفير أن نحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر، ولكن رفضه كان لفكرة أن نقوم بتكريم تلك الدول ودعوة ممثليها في المملكة حضور هذا التكريم. حسنا .. يبدو أن هناك أمرا لم نره، ولم نحسب حسابه، كان خافيا علينا، يعلمه ويراه سعادة السفير بحكم منصبه .. هكذا توقعنا .. فطلبنا من سعادته تفسيرا مقنعا لهذا الرفض، ولكن، للأسف، كان تبرير سعادته أن تلك الدول قد نالت من التكريم الرسمي ما يكفي، وأنه ليست هناك حاجة بأن نقوم نحن أيضا بذلك. أسقط في أيدينا، ولم نقتنع، بالتأكيد، بالسبب الذي ذكره سعادة السفير، حاولنا مع سعادته .. وعبرنا له عن أهمية أن يستشعر الأشقاء بشكر شعب مصر، قبل حكام مصر، وأكدنا رؤيتنا بأن هذا التكريم، أو لنقل عليه الشكر، هو تجسيد لتناغم موقف الشعب المصري مع نظامه الحاكم، وأن هذا التكريم، أو الشكر، هو رسالة لشعوب تلك الدول الشقيقة لا تقل أهمية عن أي تكريم رسمي. للأسف، فشلت كافة محاولاتنا مع سعادة السفير، وأصر ألا يقوم بدعوة سفراء الأشقاء، بل ووعدنا ألا يحضر احتفالنا بأكتوبر إن لم نمتثل لرغبته وقمنا من جانبنا بدعوتهم.
الأمر لم يكن بحاجة من جانبنا إلى كثير من التفكير والحسابات، فما نراه في مصلحة مصر من وجهة نظرنا كجالية، أو كشعب، يجب أن يظل في أولى أولوياتنا، حتى وإن لم يعجب ذلك سعادة السفير. وبالفعل توجه وفد منا بدعواتنا إلى سفارات كل من الإمارات العربية المتحدة، والكويت، والبحرين، والمملكة الأردنية الهاشمية، وقابلنا عدد من السفراء أو من يمثلهم. لم تكن مفاجأة في واقع الأمر، أن وجدنا ترحيبا وسعادة بالغة بهذه الدعوة من كل من قابلناهم، سواء السفير الأردني بالرياض، أو ممثلي السفراء في باقي السفارات بهذه المبادرة، ووجدنا وعودا جادة ومرحبة، بحضور هذا التكريم على أعلى مستوى ممكن. في نفس السياق قمنا بتوجيه الدعوة من جانبنا إلى إدارة المراسم بالخارجية السعودية، التي أجرت عددا من الاتصالات بنا، ثناء على تلك الدعوة ووعدا أكيدا بالحضور لاستلام تكريم شعب مصر للمملكة العربية السعوية التي وقفت موقفا لايفي حقه وقدره أي شكر.
بالفعل أقيم الحفل بمقر المركز الثقافي المصري وسط حضور رائع ومشرف من الأسر المصرية، ورموز الجالية، وحضره من حضر من ممثلي الدول الشقيقة، وقمنا بواجب التكريم والشكر لهم، وعبروا من جانبهم عن شكرهم وسعادتهم بهذا التكريم من شعب مصر بالمملكة. كانت ليلة من أبهج الليالي المصرية، في ذكرى يوم من أعظم وأمجد الأيام المصرية، وعبرنا فيها عن وفاء شعب مصر للشعوب التي ساندته في عبور مصر الأخير بجيشها وشعبها إلى مصر المستقبل والأمل.
نجح الحفل نجاحا باهرا، ولله الحمد، وأقيم على أعلى درجات من الانضباط والنظام، ومتلأت أجواء المكان على مدى أكثر من ثلاثة ساعات بكل مظاهرالبهجة والفرح، وقامت بتأمينه مشكورة قوات الأمن السعودية، بأعلى قدر من المودة والبهاء المعتاد منها في مثل هذه المناسبات.
لم يحضر سعادة السفير حفل جاليته بانتصارات وطنه، وتعبير جاليته عن وفاء شعب مصر الذي يمثله سعادته للشعوب التي وقفت بجواره في محنته. وبقي السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، لماذا لم يحضر سعادة السفير حفل جاليته بذكرى انتصارات وطنه، وتكريم جاليته للشعوب التي ساندت بلده!!!!؟؟. قد يقول قائل أن الحكومة السعودية لا تعترف بالكيانات الأهلية، وأرد عليه أن السلطات السعودية تعلم بجميع تلك الكيانات التي تعمل لخدمة الجاليات، وترصدها وتعلم ما تقوم به، وتتركز تحفظاتها على تلك الكيانات التي خرجت من إطار العمل الخدمي إلى العمل السياسي أو جمع التبرعات لفصائل معينة في بلادها، أو تلك التي تعمل على التحريض والتآمر. بالإضافة إلى جوهر الأمر وهو أننا توجهنا لسعادته ليقوم هو بحكم منصبه بدعوة سفراء الأشقاء رسميا من جانبه، لنقوم نحن بالتكريم الشعبي لهم، كممثلين لشعوبهم.
لازلنا .. منذ أن احتفلنا بذكرى نصرنا العظيم، وقمنا بواجب الشكر للأشقاء الذين ساندونا في ثورتنا، ونحن نحاول أن نجد لسعادة السفير مبررا يجعله يرفض أن يشارك جاليته فيما تحتفل به .. ولم نجد ما يقنعنا ولا من يقنعنا .. ولم يتبق لنا إلا أن نعتقد، أو نظن، أن سعادة السفير يرى أن جاليته أقل شأنا من أن تقوم بهذا الدور .. وليست جديرة بأن تعبر عن هذا الشكر للأشقاء في هذا الموقف الجليل .. هو استنتاج منا .. وظن .. وهو ظن لو صح عظيم.
ولا نملك إلا أن نقول للخارجية المصرية .. ولسفراء مصر في جميع أنحاء العالم .. ولسعادة سفير مصر بالرياض .. "عفوا أيها السادة .. إن جالية مصر بالمملكة العربية السعودية جالية جديرة بالاحترام".
--------------------------------------
رئيس ملتقى الأسرة المصرية
عضو مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين بالسعودية