fiogf49gjkf0d
من يطالع الصحف أو يشاهد الفضائيات أو مشاركات المغردين على مواقع التواصل الاجتماعي يعلم كيف عادت الطائفية والمذهبية والقبلية أدراجها لتتأصل فينا من جديد لدرجة تنذر بخطر بات قاب قوسين أو أدنى من هذه الأمة، حتى وصل الأمر أنك لو سألت صديقين لك من أنتما؟ فبدلا من أن يجيباك ..كويتي مسلم ومصري مسلم ... تأتي الإجابة أنا قدساوي ويرد الآخر أنا أهلاوي، فتقول لمن سألتهما لا، لا أقصد بسؤالي ما الفريق الذي تشجعانه بل أقصد من تكونا؟ فيجيبك الأول أنا (..) ويجيبك الآخر أن هواري صعيدي أصلي... فتكتم أنفاس غضبك وتعيد السؤال بطريقة أخرى يا صديقاي أرجوكما افهما سؤالي إلاما تنتميان؟ فتأتيك إجابة الأول أنتمي إلى قبيلة من أعرق القبائل، ويقول الآخر أنتمي إلى أشراف العرب، وسادتهم. وهكذا أمام هذا التعصب الرياضي والفكر الطائفي والتأله المذهبي ينسى الإنسان أنه في الأساس مسلم، ولا يتذكر أنه ينتمي إلى "آدم" وأدم من تراب وتأتي في مقدم أولوياته النادي الذي يشجع والقبيلة التي ينتمي إليها والمذهب الذي يعتنقه، ويصبح كل من يشجع ناديا غير ناديه "منحرفا"، ويبيت جميع من ينتسبون إلى قبيلة غير قبيلته "شواذا" لا يصح مصاهرتهم أو الزواج منهم، ويمسي كل من ينتمي عقائديا إلى مذهب غير مذهبهم "كافرا" يُهدر دمه ولا يُصلى عليه. يأتي كل هذا في وقت توحدت فيها أوروبا عن بكرة أبيها وانصهرت فيها المذاهب جميعها في بوتقة واحدة وأصبح الولاء الأول والأخير للدين الذي ينتمون له، ثم للاتحاد الذي جمعهم، وأخيرا للدولة التي يحملون جنسيتها، فلماذا صاروا إلى ما صاروا إليه؟ ولماذا وصلنا نحن إلى ما وصلنا إليه؟.
 
 هم صاروا إلى ما صاروا إليه لأنهم علموا أن القوة في الوحدة وأن "حزمة" من الحطب لن تستطيع يد مهما بلغت قوتها أن تكسرها، ففعلوا المستحيل كي يكملوا وحدتهم، وسيفعلون المستحيل كي ينقذوا أي دولة يتصدع اقتصادها لإيمانهم أن انهيارها هو في الحقيقة انهيار لهم، ونحن وصلنا إلى ما وصلنا إليه لأن "الأنا" علت في نفوسنا عن روح "نحن" فأصبحت كل دولة ترى نفسها الأقوى وهي لا تملك أبسط معايير القوة فبات كل فئة فيها ترى أنها الأصل وأن ما عداها وجد لخدمتها ومن أجل نيل رضاها. هم صاروا إلى ما صاروا إليه لأن دولة مثل أميركا بعد أن ظلت قرونا تزكي روح الطائفية والعنصرية فلم يكن لأصحاب البشرة السوداء فيها مكانا، أيقنت أنها لن تجني من عنصريتها إلا الخراب فسارعت تعالج داءها حتى بات حاكمها واحدا ممن كانت تُسميهم بـ"الزنوج"، ونحن أصبحنا كما أصبحنا لأننا أضعنا هويتنا ونكثنا عهدنا الذي جعل منا "خير أمة أخرجت للناس"، ورجعنا إلى عصور الجاهلية الأولى، نزرع القبلية ونروي الطائفية فحصدنا فرقة قطعت أوصالنا. هم صاروا إلى ما صاروا إليه لأنهم آمنوا بقيمة الإنسان الذي كرمه الله على سائر مخلوقاته، فراحوا يشرفونه ويجزلون عليه العطاء على قدر عمله، وبمقدار إسهامه في إسعاد غيره، أما نحن فأصبحنا كما أصبحنا لأن مقياس احترام الإنسان فينا نسبه وحسبه وأصله وفصله، وإلى أي القبائل ينتمي، وأي المذاهب يعتنق، وحتى لو كانت كل إسهاماته لوطنه شهادة جنسية لا يستحق حملها. هم يزرعون ويصنعون ونحن نأكل ما يزرعون ويصنعون.
 هم اتفقوا على ألا يحارب بعضهم بعضا ونحن رفعنا رايات الجهاد على من يخالفنا الرأي. هم يثورون لحيوان نفق بسبب إهمال، ونحن لا يتحرك لنا ساكن بسبب مقتل العشرات في مباراة كرة قدم. هم يحاربون الرشاوى والفساد، ونحن نكافئ المرتشين والمفسدين. هم وهم وهم ... ونحن ونحن ونحن، لذلك وغيره الكثير صاروا لما صاروا إليه وأصبحنا نحن كما أصبحنا، فهل لنا في الذكرى عظة، وفي العظة فزعة تنفض عنا غبار التعصب لناد، والتشدد لقبيلة، والانحياز لمذهب، ويكون ولاؤنا لله وحده ربا وللإسلام وحده دينا، أم سنظل كما نحن يقتل بعضنا بعضا حتى يأتي يوما الفتك الأكبر من عدونا الحقيقي فلا نستطيع له قهرا؟
 fahme1968@hotmail.com @abdalah1968