سكوب ظاهرها الرحمة  وباطنها العذاب !! 

بقلم محمد عبد العزيز

الفهم الثاقب الصحيح رزق يهبه الله من يشاء ، لذلك فمن الأدعية الجليلة التي يجب أن نسأل الله – تعالى -  بها " اللهم أرنا الحق حقاً وارزقني إتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ".

استحضرت هذا الدعاء جراء التجاوز الاعلامى الذي تقوده قناة سكوب الفضائية الكويتية – وكنت أتمنى أن أنتقى من مفردات اللغة مفرداً يقدم وصفاً دقيقاً لما تقوم به القناة من حملة مسعورة ضد المصريين ونعتهم بعديمى الأصل نتيجة موافقتهم على محاكمة الرئيس السابق – إلا أنني احترم ذاتي ويعف قلمي عن استخدام غير  كلمة  " التجاوز الاعلامى "  رغم استحقاق القناة ما هو أبشع .

قناة سكوب أطلقت حملة قبل اسبوع سمتها  " لا لمحاكمة مبارك  " ، وهذا مقبول إعلاميا حال إتباعها النهج القويم في النقد والالتزام بالضوابط الإعلامية الشريفة من حرية الرأي والرأي الآخر وعدم تجريح أصحاب التوجهات المعاكسة ، وخاصة في بلد غير بلد القناة .

المسئولون عن القناة يزعمون أن حملتهم نابعة من حبهم الجارف لمصرنا الغالية "   وكنا نحسب صاحبة القناة الإعلامية  فجر السعيد أكثر حصافة من الوقوع فى براثن  ذلك السفه الاعلامى "  وأنا اعرفها عن قرب ، فقد التقيتها عدة مرات ن وحاولت الاتصال عليها للاعتراض على ما يحدث غير أنها كانت قد أغلقت هاتفها .

أذكر أخر مرة زرت فيها  قناة سكوب يوم استضافتني على شاشتها لقرابة الثلاث ساعات مع زميلي أسامة جلال لتحليل أحداث الثورة سياسياًَ قبيل تنحى الرئيس السابق ،  واذكر رفضي آنذاك أي اهانة يتعرض لها مبارك " وحتى الآن أرفض ذلك " رغم ما تضمنه عهده من ظلم وغياب عدالة اجتماعية وفقر وبطالة  . حيث طلبت منه أن يرحل بكرامة ورجوت المصريين عدم إهانته  ، لأن ديننا الحنيف  لا يجيز اهانة من ظلمنا بل هناك قوانين إلهية في السماء وأحكام قضائية في الأرض يتعرض لها كل متجاوز ولو كان رئيساً .

المثير والمحزن في آن واحد أن سكوب كان لها من الحملة هدفان أحدهما ظاهر وهو الوفاء لمبارك لفضله على الكويت يوما ما " رغم أن الشعب المصري وقت الغزو هو من حرك القيادة السياسية بمظاهراته الرافضة لاستباحة الكويت "والهدف الآخر باطن غير معلن   يتمثل فى  محاولة تغييب الشارع الكويتي وإلهائه عن التحدث بشأن تأخير التشكيل الحكومي وما يستتبع ذلك من تذمر المواطنين جراء توقف عجلة التنمية .

 وقد نجحت القناة  بامتياز في ما هدفت إليه من حملتها بعد أن غيرت دفة الحوار في معظم الأسر الكويتية إلى الحديث عن محاكمة مبارك وعدم وفاء المصريين لرئيسهم السابق وقسوتهم وقلة أصلهم ، حتى بات معها العتاب عنوانا من كل كويتي لكل مصري يلتقيه  في الشارع أو في الدوام " ليش تسوون جدى بأبوكم ، يا معود ارحموا عزيز قوم زل ليش قلة الأصل ،وين شهامتكم المعروفة " .

ولم تكتفي سكوب بذلك بل حولت جيرت الحملة من " لا لمحاكمة واهانة مبارك " إلى ما هو أخطر بعد أن عمدت إلى إشاعة الفوضى في مصر من خلال تحريض المصريين على بعضهم البعض وعلى المجلس العسكري الحاكم وعلى النائب العام ، إذ يقول المذيع الغريب " سعودو" لكل من يتصل به من مصر : نزلوا الشارع نزلوا طالما مصر أصبحت فوضى والمجلس العسكري يستجيب لأي حد ينزل يتظاهر نزلوا انتو كمان وقولو لا لمحاكمة الرئيس لا للنائب العام .

وهذا بالطبع تحريض على الهواء مباشرة من شأنه إحداث بلبلة في دولة شقيقة وبالتالي من الممكن أن يصاحبه توتر في علاقات البلدين عن طريق قناة تذكى نيران الفتنة بين أبناء الشعب الواحد ، بحجة الوفاء للرئيس السابق . أأنتم أشد وفاءً منا له ؟!! لا أعتقد ، لقد كنا أوفياء مخلصين له لثلاثين عاما ، لكنه الآن في حيز الاتهام وهو بريء إلى أن تثبت إدانته .

لماذا تحجرون على  توجه مصر أن تؤسس لدولة القانون وإعمال مبادئ الدستور ؟ لماذا تصورون لمن لا يرى الحقيقة في مصر أنكم أوفياء وباقي المصريين عديمو الوفاء ؟

أين كان وفاؤكم  لبنى جلدتكم حينما ظللتم تحاربون سراق المال العام في الكويت لفترات طويلة ؟  ، لماذا لم تنبري إحدى القنوات في مصر لتطالبكم بالوفاء لهؤلاء

أتظنون أنكم أكثر وفاءً لمبارك من المصريين !! لا والله لكنكم لم تكتووا بنيران الظلم وكبت الحريات وغياب العدالة والبطالة والغذاء المسر طن والموت غرقا وحرقا .

مقدم البرنامج الكوميدي المدعو " سعودو " أخذ منحى أخطر وأخطر بطعنه في حقيقة الثورة واتهامها  بالعمالة لجهات أجنبية والسعي إلى تقسيم الوطن والخيانة بتنفيذ مخطط ماسوني  ومن ثم تهكمه على شبابها .

بل وصل  به الأمر إلى السخرية من المصلين في ميدان التحرير إبان الثورة لسجودهم من دون ركوع واتجاههم إلى غير القبلة ، كاشفاً جهله الشديد بأن صلاة الخوف تؤدى على هذا النحو ، وقد عميت بصيرته ولم يتحرك له ساكن لمشهد قوات الأمن وهى تغرق المصلين بالمياه لتفريقهم .

بالأمس تحدثت إلى عدد من الفعاليات الكويتية بشأن تلك القضية  منهم أمين سر مجلس الأمة النائب على الراشد للوصول إلى موقف تجاه هذه القناة وإيقاف محاولة استثارة غضب المصريين وأعرب الرجل عن استيائه من ما تقدم عليه سكوب وعن المحاكمة قال : "أهل مكة أدرى بشعابها " .  وقبله تحدثت إلى السفير المصري طاهر فرحات وقال سنلجأ إلى الطرق الرسمية لحفظ حقوقنا فيما تحدثه ، لكن رغم ذلك لا تزال الحملة المغرضة تنهش في المصريين ولا تفتأ تستدرجهم إلى الفوضى مستخدمة سلاح التحريض الأعمى وهى ترتدي ثوب البراءة والطهارة المسمى بالوفاء .

ومن هنا أناشد كل الكويتيين الشرفاء ومؤسسات المجتمع المدني التدخل لوقف تحريض المصريين على بعضهم البعض ، بعد أن تنفسنا الصعداء نسبياً بعودة الهدوء شيئاً فشيئاً إلى الشارع المصري .

وأخيراً مهما حاول من حاول أن يعبث بأمن مصر واستقرارها فسيرد الله له كيده في نحره ويجعل تدبيره تدميره وستبقى مصري حرة شامخة آبية ، لأنها كيان كبير يعيش داخلنا بكل الحب ونتنفسه بكل العشق .