دائما ما ندرك أننا قادرون على صنع التاريخ و الحق أن التاريخ يتبرأ منا لأننا باختصار نعيش على هامشه و لا نرضى بالتحرر من قيد العبودية التي نحكمت فينا و سيطرت علينا من كل جانب فلا نستطيع الفرار منها إلا إليها كالحيوانات التي تفر من الحقول و تسرع في جريها قافزة و عائدة إلى حظائرها تريد قيدا أكبر و سجنا أكبر لأنها تعودت على ذلك.
و السؤال الملح هو متى نقدر على التحرر من القيد ؟ و متى نستطيع أن نعبر آهاتنا ؟ و متى نقدر على محاربة ضعفنا و عجزنا ؟ و متى نقول لا لكل مستبد ؟ و متى نخلع الوجوه المستعارة و الضحكة المستعارة و الكلمة المستعارة ؟ و متى نبيد كل أمثلة الخنوع و الضعف و الهوان ؟ و متى نتحرر مما ورثناه من قيود العادات بتقديس حاكم مجنون أو خائن و نحن راضون و خانعون و مصفقون ببلهاة و رضا نفس و كأنه جاء ليخلصنا من شرور العالم و من شرور أنفسنا ؟ و الحق أنهم جاءوا لنشعر بالخيبة و الانكسار و الهوان و الوهن أكثر و أكثر و السؤال الذي يموج في داخلي و ينتفض كالعصفور الصغير العائد لعشه هو : متى نغني بين مروج الحرية صارخين بأعلى أصواتنا ......... لا ؟
ومتى نحلم و نحلم و نحلم ؟ لأن الواقع أوله حلم و الحلم أول الحقيقة و الحقيقة أن الله جعل لنا عقولا تعي و تفكر و ترفض القهر و الظلم . عندما نستطيع سنكون بين موج البحر و زبده نغسل كل ألمنا و نتحرر من قيودنا و نعبر كل سجون أفكارنا و ننطلق بين ورود الحرية و أزهار الفكر الحر المستنير بعيدا عن كلمات عن الجمود و التقيد بأفكار الأخرين التي قد تكون أكثر ظلاما و أكثر استخفافا بنا بعد ذلك نستطيع أن نتنسم معنى الإنسانية و معنى الحرية التي نشتاق لها و كانت حلما جميلا يراودنا و نتعايشها . وعندما نمتلك قدرة الوصول لها ستتحول إلى واقع جميل نسطره بأيدينا و نرسمه بمشاعرنا ليكبر بين أيدينا و على أعيننا صبيا جميل القسمات حلو الملامح ناضج الفكر سليم الصدر مهذب المشاعر محبا للجميع لأنه نشأ في لحظة صدق و قدرة على الوصول للطريق الصحيح ليكون أول الحقيقة و الحقيقة هي الحرية .
 الحرية التي بحثنا عنها ردحا من الزمن لتمر العقود و نحن نتوق لها نتقلب مع ظلمات الليل منتظرين ضوء الفجر و هو يمحو كل ما مضى من ذل و مهانة و وهن و هوان لنبدأ لحظات تبدأ بنسيان معول الهدم و الشر و الضعف و الانعزال و الخوف و الانهزامية و السلبية التي تجعلنا منتهبين و غير قادرين على تحمل التبعات . علينا أن نهدم ما كان من شر و نبدأ بالبناء و نحن نتنسم معنى الحرية متمسكين بقيمنا و أخلاقنا و توحدنا على مختلف عقائدنا و أهوائنا .
 لكن الحذر ألا نملك أدوات الحلم فيكون بعيدا عنا و لا نعرف معناه ليتكون جنينا في أحشاء حياتنا ليولد مشوها فاقد الوعي غير مدرك لزمن أو مكان و يكون كالمجنون التاه لا يدرك معنى ما أقدم عليه غير عارف إلا حرية كاذبة خادعة لا تعرف إلا الانهيار و الضعف و التشفي و الخداع و تصبح كالسراب ظاهرها رحيم باطنها مهلك لا محالة ، و لا تعرف إلا الهدم و الضياع و انتظار وقوع الأخرين حتى نتشفى بلا معاني للعدل الذي ننشده و الرحمة الصادقة التي نبحث عنها و في مكانها و ليست تلك الرحمة الكاذبة التي تسامح في غير موضعها مما يدفع إلى ضياع كثير من الحقوق تحت عجلات الظلم التي لا ترحم صغيرا و لا توقر كبيرا و لا تعرف إلا الهدم و لم تعرف يوما معنى البناء . لذلك فإن العاقل من يملك القدرة على إدراك ما حوله و رسم الطريق بشيء من التبصر و عدم الانجراف خلف حلم قد يكون كابوسا مدمرا يزرع الألم والدمعة في أعيننا فتجري من المآقي غير تاركة لنا حرية الاختيار و تاركة ندبها المؤثرة في قلوبنا و جراحها العميقة التي لا تندمل و لا نعرف لها دواء و لا نعرف كيف تبرأ ؟ لتظل في أعماقنا نشعر بها و لا حيلة غير الرضا بها .