يرتبط العنف الفكري ارتباطا وثيقا بالتطرف أيا كانت أسباب هذا التطرف ودوافعه، إذ يعد العنف في كثير من الأحيان نتيجة للتطرف الفكري الذي يسبق مرحلة العنف والإرهاب والتخويف، وليس بالضرورة أن يترجم كل تطرف فكري إلى فعل أو سلوك ظاهر، فقد يتوقف التطرف الفكري عند حدود كره الآخر أو حتى الرغبة في إيذائه، وهو بهذه الحالة، يبقى تطرفا فكريا ما لم تترجم هذه الأفكار وتتحول إلى أقوال أو سلوك، فيصبح بذلك عنفا فكريا ظاهرا. فالعنف الفكري هو العنف المبيت، أو العنف الناتج عن أفكار عدائية سابقة، سواء كانت بدوافع دينية أو نفسية أو فكرية متطرفة، أو هو استعمال القدرة بأي شكل من الأشكال لخدمة أفكار معينة أو تنفيذ مشاريع ذاتية شخصية كانت أم فئوية، من هنا تأتي أهمية دراسة التطرف الفكري قبل تحوله إلى مرحلة السلوك ودخوله في مرحلة العنف الفكري. ويرى بعض الباحثين بأن الفكر المتطرف لا يمكن تغييره أو تعديله، لذلك يسعى هؤلاء إلى استخدام الطرق الوقائية ويرون بأنها السبيل الأمثل في مواجهة هذه الظاهرة، ولا بد من التربية المبكرة وغرس الأفكار المعتدلة في الإنسان منذ صغره، لينشأ طبيعيا محصنا لا يتأثر بالأفكار المنحرفة أو الفكر المتطرف، لكن البعض الآخر يبدو أكثر تفاؤلا، حيث يرى بأن العلاج ممكن في حال أشرف عليه أصحاب الخبرة، أو متخصصون نفسيون وتربويون، مع الاعتراف بأن الجانب الوقائي هو الأهم في مواجهة الفكر المتطرف، ولا أجدني أقدم أحد الاتجاهين على الآخر فكل منهما يكمل الآخر. وعند دراسة شخصية الإنسان الذي يتسم بالتطرف، نجدها لا تعي بأنها شخصية متطرفة ولا تعترف بذلك، لأن التطرف أصابها نتيجة لتأثرها بظروف كثيرة ومتنوعة، بعض هذه الظروف لازمها من النشأة الأولى وترسخ فيها، فبدا لها ذلك طبيعيا، فكانت لا تتقبل التغيير الإداري، لذلك تكون عاجزة عن الإصلاح الذاتي، وهو الأمر الذي يتطلب مساعدة من الآخرين. ولعل أكثر ما يحتاجه الإنسان المتطرف معرفة نفسه من وجهة نظر الآخرين، إذ لا يمكنه أن يشعر بوجود مشكلة في فكره وتوجهاته ما لم تتم مواجهته وإخباره بأن ما يحمل من أفكار غير سليمة، وهي المرحلة الأصعب على الإطلاق، وبما أن مشكلة التطرف الفكري ذات بعد بيلوجي ونفسي، يفضل أن يقوم شخص متخصص بالتعامل معه وإخباره بالأسلوب المناسب والطريقة السليمة كي لا ينتج عنها ردة فعل معاكسة. لا شك بأن العلاج ممكن، ولعل ما يثبت ذلك ما نراه من شباب تراجعوا عن الالتحاق بالجماعات المتشددة، فقد وصل هؤلاء لمرحلة الإدراك والوعي بوجود مشكلة فتراجعوا، لكن ذلك بالتأكيد ليس كافيا، فهم بحاجة ماسة للمساعدة من قبل أصحاب الخبرة والمختصين في الجانب النفسي والاجتماعي لدراسة المشكلة وإزالة الأسباب التي أدت بهم للالتحاق بتلك الجماعات. وقد لا يتوقف ذلك التراجع على الأفراد، فبعض الدول الكبرى تراجعت عن توجهاتها المنحرفة وفكرها المتطرف، فنجد ألمانيا في وقتنا على سبيل المثال تتناغم وتنسجم مع الأفكار الوسطية، وتسعى للمساهمة في إيجاد حلول وهي التي كانت في الماضي القريب تتصف بالنرجسية، وتفضيل جنسها على باقي الأجناس من الشعوب، بما عرف عنها بالحركة النازية، حيث كانت تسعى للسيطرة على العالم والقضاء على بعض الأجناس الأخرى. الأمر هنا يتجاوز كل المفاهيم التي تجمع الشعوب وتربط فيما، بينها ليصل إلى الكل الإنساني العام، وهو ما يجعل أهميته مضاعفة. وقد بات ذلك يشغل معظم باحثي المنظمات العالمية المتخصصة في كل النواحي الاجتماعية، ونحن علينا أن نتضامن مع كل الشعوب والدول الساعية لتحقيق الأمن والاستقرار، لأن ذلك سوف ينعكس على مجتمعنا ويكون عاملا من عوامل الأمن في منطقتنا. من هنا تبرز أهمية البحث عن الحلول التي تحد من تبني الفكر المتطرف وتعزز مبادئ الرحمة والتسامح والإخاء، وهذا الجانب سيكون المحور الأساس في المقالة المقبلة، فعلى الخير نلتقي بإذن الله. * كاتبة كويتية