أمتنا العربية هي جزء كبير من العالم النامي، فما الذي أوصل أمتنا إلى هذا الدرك المظلم؟ فإذا تقدمنا وتأخرنا ليس هذا بالأمر المحظوظ! وأن ما أصاب الأمة هو نتائج لمقدمات طال عليها الأمد. وأمراض هدّت القوام من جيل الأمة، جيل بعد جيل. وأن عافية شباب الأمة تهزمه، فتمكن الجرثومة الخارجية المتربصة بالفرص السوانح لهؤلاء الشباب لتثبت عندما تريد. ملحقة بالجسم ما تشاء به من عطب.

فالأمة تتعرض لكثير من الأدواء الوبيلة من خلال العصور القديمة والحديثة، بل والأكثر تأكيداً العصور الحديثة، وقد قاوم ويقاوم كيان الأمة الصلب هذه الأدواء، ولكن ما تزال الجراثيم الخارجية الخانسة تتربص بالأمة من الداخل والخارج. فكل هذه الانشقاقات والمعارك بين العرب بعضهم مع بعض والإرهاب الذي فاحت رائحته في بعض الدول وربما كل دول الوطن العربي، فكل هذه الأسباب تمكنت في الأمة، فعصفت بنا الرياح الهوج، ولكن عندما تشتد الرياح فإنها لا تحرك جبل من مكانه، لأنه صلب ومتماسك ومترابط، ولكن الرياح تحرك الرمال وتنقلها كيفما تشاء لأنها هشة وغير متماسكة. فأوضاعنا الاقتصادية مذبذبة، وليست بالاقتصاد القوي النافع للأمة أو الوطن والبطالة التي انتشرت من جيل إلى جيل، ولم يأتي العقل السليم المدبر الذي يستغل هذه البطالة في عمل نافع للوطن أو الأمة، لكن للأسف الشديد والمؤسف أن البطالة تفوح منها الجراثيم الخطيرة في المجتمع، وتستغلها الجراثيم الخارجية لتضر الأمة من داخلها، وكل هذا وذاك نتيجة الإهمال بهذا الجيل الذي هو عماد الأمة وقوام الأمة فانحرف وخرب في جدران الوطن بل الأمة. كثيراً ما سألت نفسي: إلى متى ستظل ويظل الوضع في الأمة والتنفير فيها واليأس في الدنيا، قد ربما تظل هذه الدنيا فقط في أيدي أعداء المسلمين؟
 
فقد يهرب الإنسان في الأمة إلى أحضان الماضي وينيه بنشوان في مظاهر عظمة التاريخ للأمة وتراثيها. ويختار من الماضي ما يشكل له الخير كله، على عكس الحاضر الذي يشكل ألم وشر، مقياساً للحياة، فتلك هي كانت الأيام، تلك كانت الحياة، والتفكير في الماضي الذي يتماهى الإنسان المقهور خصوصاً بالبطولات والأمجاد التي تحمل كل مظاهر الأبهة في الماضي الجميل. فهل يستتبع ماضي الأمة واعتبارنا أنه يؤلف وحدة حية مع حاضرها ومستقبلها. فنحن سادة مصيرنا وصانعو قدرنا، ندرك إدراكاً عميقاً بأن الأمة الحية هي التي تحيا الآن بروابط شعبها وحكامها. تحيا حياة المستقبل وإنها الأمة التي تخدم ماضيها وحاضرها وتنمو وتتكامل ويكون ماضيها مهماً ويكون حاضرها ومستقبلها أمامها لا وراءها. يقول الله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)، وهذه الجمل الجميلة الواضحة هي التي تكشف معدن الأمة للعرب عامة في وظيفتهم في الحياة ورسالتهم بين الناس. ...
 
فالعروبة هي رسالة بنقاوة الدم الموروث، والاستعراب باللسان والشعور والإحساس، وأنها ليست وهم بكرامة العنصر، إنها رسالة إنسانية تجعل من الأمة العربية حارسة على أجيالها وشعبها حارسة بالأخلاق والمثل العليا، أمينة على الشعوب وتراث الشعوب، وصيانة الجوارح، والدفاع عن قضايا الأمة ضد المنحلين والمكذبين. فالأمة في حاجة ماسة للإصلاح قدر الإمكان من جيل إلى جيل من الشباب الذي يجب أن يتربى على أخلاق جديدة وجهد نافع للأمة، فهم في احتياج إلى نظام يشرف مستقبل الأمة.
 
محمد شوارب
كـاتب حـر
mohsay64@gmail.com