القاهرة احترقت مرتين:

بين الحريق الأول والحريق الثاني 59 عاماً

الحريق الأول حدث يوم 26 يناير 1952.. بينما حدث الحريق الثاني في 26 يناير 2011

يبدو أن شهر يناير أصبح شهر الغضب المصري في تاريخها الحديث، فبين الحريقين الأول والثاني حدث إعلان الغضب المصري في 18 و 19يناير1977 وهو ما أطلق عليه أنور السادات " انتفاضة الحراميين " !! يومها كادت القاهرة تحترق !!

تهمة احتراق القاهرة في يناير 1952 وجهت إلى " أحمد حسين" رئيس حزب مصرالفتاة ..

كما وجهت التهمة نفسها إلى جماعة الإخوان المسلمين والسبب أن أكثر المحروقات تركز في " حانات " " وكباريهات" " وكازينوهات" !!

&e633; &e633; &e633;

لكن..  كيف جرت أحداث حريق القاهرة الأول!

هذا ما سأحاول ذكره بقدر ما تسعفني به الذاكرة من أحداث عشتها وعاصرتها.. وأترك المقارنة بين ماحدث وقتها وما جرى في يناير 2011 لذكاء القارئ ، فالصورة لم تكتمل بعد!!

&e633; &e633; &e633;

للجيل الذي لم يتعرف على أحداث الحريق الأول أقول:

بدأت الأحداث قبل 25 يناير1952 .. كانت مصر تغلي في ذلك الوقت .. كانت الانتخابات التشريعية قد أسفرت عن حصول حزب الوفد على 228 مقعداً في البرلمان من مجموع 319 مقعداً .. كانت نتيجة الانتخابات التشريعية التي أُجريت في 3 يناير 1950 مفاجأة.. " صحيفة المصري " الناطقة باسم حزب الوفد قد أطلعت على نتائج الانتخابات التشريعية " ثورة الشعب ".. وهنا ينبغي أن نعرف الفرق بين الانتصار الكبير الذي حققه حزب الوفد في الانتخابات وحصوله على الأغلبية وبين نتيجة الانتخابات التشريعية التي أجريت أخيراً وحصل فيها الحزب الوطني الديمقراطي على الأغلبية والتي جاءت نتيجتها مفاجأة مخيبة لآمال الشعب.. وذلك لأسباب منها :

 

** إن فوز الوفد كان لحزب معارض.. لا يحظى بتأييد الملك .. بينما الحزب الوطني هو الحزب الحاكم ، وهو الحزب الذي يترأسه الرئيس مبارك.

** إن فوز حزب الوفد في ذلك الوقت يمثل في نظر المراقبين السياسيين انتصاراً لإرادة الشعب.. بينما فوز الحزب الوطني الديمقراطي في الانتخابات الأخيرة هزيمة لإرادة الشعب!!

** نتيجة لفوز الوفد في الانتخابات التشريعية.. أسند الملك فاروق مسئولية تشكيل الوزارة إلى النحاس باشا رئيس حزب الوفد.

** وجد النحاس فرصة للتقرب إلى الشعب أكثر، فأعلن عقب توليه رئاسة الوزراء إلقاء معاهدة 1936 وهو نفسه الذي كان وقتها مع بريطانيا.. حيث أعلن وهو يلقي الاتفاقية:

" من أجل مصر وقعت معاهدة 1936.. ومن أجل مصر أطالبكم اليوم بإلغائها".. كان إلغاء المعاهدة من طرف واحد .. وإلغاء المعاهدة كان يعني جلاء القوات البريطانية من قناة السويس .

** هبَ الشعب للقيام بمقاومة الاحتلال البريطاني لمدن القناة الثلاث.. وعمَت المظاهرات المدن المصرية كلها.. وحدثت مواجهات عنيفة.. قتلت القوات البريطانية عددا من المتظاهرين وسقط 40 جريحاً في الإسماعيلية .. واستشهد 5 أفراد في بورسعيد ووضعت القوات البريطانية منطقة قناة السويس بمدنها الثلاث تحت السيطرة العسكرية البريطانية مباشرة.

** في 17 و 18 نوفمبر 1951 أطلقت القوات البريطانية النار على ثكنات البوليس في الإسماعيلية.. ردت قوات البوليس .. سقط قتلى وجرحى من الجانبين .

** في 3 ديسمبر 1951 أطلق الإنجليز النارعلى قوات البوليس في مدينة السويس، والنتيجة استشهاد 28 مصريا، منهم 7 من رجال البوليس، وقتل 22 بريطانيا وتكرر العدوان في يوم 4 ديسمبر 1951 وأستشهد 15 مصريا.. توالت المعارك بين قوات البوليس المصري والإنجليز .. وكلما حدثت معركة تصاعد غضب المصريين.. وثورتهم .. قامت المظاهرات .. تعطلت الدراسة إلى أن كان يوم 15 يناير 1952.. أحرق المتظاهرون ملهيين في القاهرة.. وانفجرت داران للسينما يوم 19 يناير 1952 .

&e633; &e633; &e633;

وجاء يوم 25/1/1952 ...

انفجر الموقف في الإسماعيلية .. قوات بريطانيا تحاصر مبنى محافظة الإسماعيلية .. الجنرال " اكسهام " القائد البريطاني في المنطقة يوجه إنذاراً إلى قوات البوليس في محافظة الإسماعيلية.

الإنذار يقضى بضرورة:

·       انسحاب قوات البوليس.

·       تسليم أسلحتهم.

·       الخروج من الثكنات والرحيل من منطقة القناة.

قائد البوليس يرفض .. يريد الاتصال بوزير الداخلية في ذلك الوقت " فؤاد باشا سراج الدين ".. القائد لم يتمكن؛ لأن الاتصالات مقطوعة.. القائد يكلف أحد ضباطه الشباب بالتسلل والسفر إلى القاهرة لإبلاغ رسالة إلى " فؤاد باشا " .. الضباط الشاب يقفز من فوق الأسوار.. يتمكن من الوصول إلى" فؤاد باشا" وزير الداخلية في الساعة الثانية بعد منتصف الليل.. يتمكن من إبلاغ الرسالة:

" فؤاد باشا" يسال الضابط الشاب:

كم عددكم؟

الضابط يجيب :

ألف جندي وضابط..

" فؤاد باشا" يسأل :

هل لديكم أسلحة؟

الضابط يرد:

مع كل فرد منا ألف طلقة رصاص.

وزير الداخلية يسأل:

هل أنتم مستعدون للمقاومة إلى آخر طلقة؟

الضابط الشاب يرد:

نعم.. نحن على استعداد.

وزير الداخلية " فؤاد باشا " يصدر قراره بالمقاومة ..

وبكى!!

&e633; &e633; &e633;

تدور المعركة .. وتستمرإلى أن كانت آخر طلقة، وكانت نتائج المعركة: 70 شهيداً من البوليس مقابل 40 جنديا بريطانيا.. لكن المفاجأة:

دخل القائد البريطاني " اكسهام" إلى مقر المحافظة .. القائد البريطاني يحيي القائد المصري ويصافحه..

" اكسهام " يقول لقائد البوليس المصري:

" أهنئك .. وأهني جنودك على الروح التي قاتلوا بها .. لن أعاملكم كأسرى .. لن تخرجوا من هنا رافعي الأيدي".

وكانت المفاجأة الثانية:

صحف بريطانيا تصدر يوم 26 يناير، وهي تكتب في صفحاتها " نحن نخجل.. جيش بريطانيا يحارب البوليس المصري.. " !

ومنذ هذا التاريخ أصبح 25 يناير عيداً للشرطة.

&e633; &e633; &e633;

كانت هذه هي الصورة التي لم يدرك أبعادها الشباب، لأنهم لم يعيشوا أمجادها..

والصورة على الناحية الأخرى..

كان الملك فاروق يحتفل بميلاد ولي عهده الأمير  " أحمد فؤاد الثاني " .. دعا الملك إلى حفلٍ حضره كبار الضباط في الشرطة والجيش..

وخلال الاحتفال:

احترقت القاهرة في 26 يناير 1952

أما الصورة الحالية:

فهي أمامنا.. المقارنة سهلة بين الصورتين وهي متروكة لذكاء القارئ !!