بقلم/ محمد يوسف 
تمر مصر بمرحلة فارقة من تاريخها الوجودي .. فبعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو لم يعد الحال كما كان عليه قبل هاتين الثورتين .. حيث انتفض الشعب الذي نفد رصيده من الصبر ضد الظلم والتهميش والجمود طوال 30 عاماً من حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك.
 
فيما لم يزد صبره على الرئيس الإخواني وحاشيته لأكثر من عام وهذا دليل على صدق مقولة "إنك لا تستطيع أن تشرب من النهر مرتين" مما يضاعف حجم الأمانة الملقاة على عاتق الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أولاه المصريون مسئولية تنوء بحملها الجبال.
 
حيث يعقد عليه الملايين من أبناء هذا الشعب الصامد الصامت آمالا وطموحات لا تحتمل التأجيل أو التأخير لإيجاد حلول لمشكلاتهم الأزلية التي يمكن تسميتها بميزان الرعب وهي الفقر والبطالة والفساد وتدني الخدمات إضافة إلى الحلم الذي يداعب خيال كل مصري ويتمثل في "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" والذي كان الشعار الأبيض النقي لثورة 25 يناير قبل أن يخطفها المتاجرون بأحلام الشعوب.
 
وحسناً ما فعل الرئيس السيسي قبل أيام حين وجه ضربة قاضية لأخطر قضية فساد في وزارة الزراعة والتي أعقبها الإطاحة بالحكومة بما فيها رئيس الوزراء إبراهيم محلب الذي كان يظن كل الظن أن دوره يقتصر على الجولات الميدانية وزيارة المرضى والمصابين في حوادث الإهمال .. فأراد السيسي أن يفهمه أن دوره هو القضاء على الإهمال وليس تعويض ومواساة ضحاياه فقط.
 
فكانت ضربة "في الجول"، كما يقولون، لكن يجب أن يستتبعها ضربة أخرى لا تقل أهمية عن السابقة، تلك الخطوة التي ينتظرها ملايين المصريين من الرئيس السيسي حيث تتطلب طبيعة المرحلة الحالية ضرورة التركيز على تجديد الخطاب الإعلامي تزامناً مع دعوة الرئيس لتحديث الخطاب الديني.
 
فالملاحظ أن جميع مفردات الخطاب الإعلامي ترسخ فكرة "مصر أرض الإرهاب" .. حتى أن الدول الداعمة لمواقف مصر تبني هذا الدعم على الترويج لفكرة رضوخ مصر للإرهاب وهذه في حد ذاتها خطيئة لا تغفر.
 
فمع عدم إنكارنا لوجود خلايا إرهابية تسعى لتكدير السلم العام في مصر فإنه مما لا شك فيه أيضاً أن مصر كانت ولازالت وستظل أرض الأمن والأمان .. فالأجهزة الأمنية لا تأل جهداً في مواجهة تلك العناصر الإجرامية وتحقق انتصارات ملموسة على الأرض لدرجة جعلت تلك الحوادث تنحسر لأدنى مستوياتها.
 
وهذا يقودنا للحديث عن أن الإرهاب ليس حكراً على مصر .. فأمريكا ذاتها عانت ولازالت تعاني من ويلاته ونفس الأمر مع فرنسا وبريطانيا التي تستيقظ كل فترة على حادثة إرهابية مروعة .. لكننا لم نجد كل هذا التكثيف الإعلامي والتركيز على أن هذه البلدان ترزح تحت نير الإرهاب كما يحدث مع مصر.
 
لذا يجب أن يفعلها السيسي ويوجه أنظار العالم إلى أن مصر دولة تنتصر على الإرهاب لذا هي تستحق الدعم الاقتصادي عبر ضخ الاستثمارات على أراضيها وأن يفد إليها السياح من كل صوب وحدب لتدوير عجلة الاقتصاد الوطني ومحو الصورة الذهنية السلبية التي ترسخت في معتقدات الكثير من الدول الأخرى .. فمصر ليست أفغانستان حتى يخشى المستثمرون الأجانب من ضخ أموالهم على أراضيها.
 
كما يجب ترسيخ مفهوم أن مصر، ومن وراءها حضارة تسبق جميع الحضارات الإنسانية، لن تستسلم أبداً ولن تسقط كما يريد المتآمرون عليها لسبب أساسي أن شعبها يأبى على الفشل فمهما كانت المحن التي نواجهها فإننا قادرون على الوقوف مرة أخرى واستعادة مكانتنا التي نستحقها بين الأمم.
 
وأخيراً يجب ألا نترك الرئيس السيسي يعمل وحيداً فلابديل أمامنا عن تضافر كل الجهود لبناء مصرنا الجديدة ذلك الوطن الذي يتسع لجميع أبنائه.. ولتكن الانطلاقة من احتفالات مصر هذا العام بالذكرى الـ 42 لحرب أكتوبر المجيدة لدخول مصر مرحلة جديدة من الخطاب الإعلامي تقوم على إظهار الوضع الحقيقي في مصر كونها دولة آمنة مستقرة تستحق الدعم الاستثماري وليس إعانة لمحاربة الإرهاب.