أدب الخطاب ولغة الحوار...

بين الحين والآخر تفاجئنا مواقع التواصل الإجتماعي وأخصها الفيس بوك بفيديوهات مصورة لبعض من الشباب يهاجم من خلاله مسئول بالدولة بأسلوب فظ مستفز, ومن الملفت أن تجد من يعلق على هذا التدني الخلقي ويؤيده من الكبار في السن ولديهم أبناء فهل يقبل ذلك الذي يعلق متباهياً بهذا الفعل المشين أن يخاطبه أحد أبناءه بمثل هذا الأسلوب المتدني بزعم النقد المباح لإصلاح الأخطاء. حينما بعدت الشقة بيننا وبين قيم الدين الإسلامي الصحيح سقطنا في التردي الخلقي وساعد على ذلك ما يبثه لنا الغرب من سموم تحت مسميات لا يطبقونها في دولهم بل هم أضحوا أقرب لأخلاقيات الإسلام الصحيح منا وهذا ما اخبرنا به الرسول صلوات الله وسلامه عليه حينما قال:"لتَتبّعُن سُنَنَ مَن كَانَ قَبلكُم شِبراً بِشِبر,فَذِراعاً بِذراع, وَبَاعاً بباع,حَتّى لَو دَخَلُوا جُحرَ ضَبّ لَدَخلتُمُوهُ قالوا:مَن يَا رَسُولَ اللهِ اليهُودُ وَالنّصَارَى ؟ قال :"فمَن إِلا هُم".
 
ولدينا كتاب عظيم وهو القرآن الكريم به من العظات في الأداب ومكارم الأخلاق الكثير والكثير حتى في مخاطبة الكفار والمشركين ولكننا لا نقرأه وإذا قرأناه لا نتدبر آياته وحكمه البالغة ويحضرني في هذا المقام فيما يتعلق بأدب الحوار الجم بعض من آيات سورة "مريم" التى استهلها المولى عز وجل بقصة سيدنا زكريا والإعجاز في الإنجاب رغم كبر سنه وعقم زوجتة ثم يثنيها عز وجل بقصة السيدة مريم العذراء ومعجزتها أيضا في الإنجاب رغم أنه لم يمسسها بشر ثم قصة سيدنا إبراهيم وفي كل قصة منها ينبهنا المولى عز وجل مخاطباً رسوله - عليه الصلاة والسلام - بعبارة" وأذكر في الكتاب"ونتوقف هنا عند قصة سيدنا إبراهيم وحواره مع أبيه الكافر فيقول عز من قائل:"واذكُر فيِ الكِتَابِ إبراهيمَ إنهُ كانَ صِدِيقاً نّبِياً,إذ قَالَ لأبِيِه يَا أبتِ لِمَ تَعبُدُ مَا لَا يَسمَعُ وَلا يُبصِرُ وَلاَ يُغنىِ عَنكَ شَيئاً,يَا أَبتِ إنيِ قد جاءَنىِ مِنَ العِلمِ مَا لَم يَأتِكَ فَاتّبِعنِى أَهدِكَ صِرَاطاً سَوِياً,يَا أبتِ لاَ تَعبُدِ الشّيطَانَ إنّ الشّيطَانَ كَانَ لِلرَحمَنِ عَصِياً,يَا أبتِ إنى أَخَافُ أَن يَمَسَكَ عَذَابُ مِنَ الرَحمَنِ فَتَكونَ للشَيطانِ وَلياً ".
 
هذا خطاب غاية في الروعة والبلاغة موجهاً من نبي الله إبراهيم إلى أبيه الكافر يستعطفه بتكرار لفظ يـا ( أبتِ ) للفت نظر الأب إلى العلاقة السامية التى تربطهما عسي أن يلين قلبه فيستجيب لنداء الإيمان لا لمصلحة يتغياه إبراهيم عليه السلام لنفسه ولكن ليقى أبيه من أثام الشرك واتباع درب الشيطان مخافة إنتقام المولى عز وجل منه ورغم الاستعطاف إلا أن الأب تطاول على ابنه سيدنا إبراهيم بقوله: “لَئِن لّم تَنتَهِ لَأَرجُمَنًك وَاهجُرنيِ مَليّاً" ومع ذلك فإن سيدنا إبراهيم رد عليه بأدب بقوله: "سَلامُ عليك سَأستَغِفر لَكَ رَبّي إنّهُ كان بِي حَفِيا". فأين شباب الأمة الإسلامية من هذا الأدب العظيم في المخاطبة والحوار النابع من ديمقراطية الإسلام السمحة لا ديمقراطية الغرب الفاسدة التى تحض على التطاول والسباب بالميادين بزعم التظاهر الذي لا يعرفه الإسلام إطلاقاً أو من خلال المواقع الإلكترونية التى أباحت كل ما هو فاسد وكل ما هو سبب مباشر في هدم قيم الدين الصحيحة بينما الغرب في بلدانهم لا يجيزونها ويعاقبون عليها وسلطوا على أمتنا ما يسمى"منظمات حقوق الإنسان"لتقف حجرعثرة أمام أي إصلاح تقوم به الدول الإسلامية لتقويم السلوك المعوج فيطلقون صيحتهم البغيضة بأن هذا يتنافى مع الحريات.
 
نافلة القول أنه يتعين على كل ولى أمر وكل مسئول وراع في بيته وأسرته أن ينبه النشئ ويحذرهم من مغبة التردى وانتهاج سلوك من لا يدينون بديننا وعلى كل من يقرأ أو يسمع مقطع من الفيديوهات التى تنشر على مواقع التواصل فيه إهدار للقيم وهدم للأخلاق ألا يعيد نشرها كى لا يعم الفساد وتنتشر البلوى ويعتقد المفسد أن ذلك هو الصحيح فيتمادى في غيه وليعلم الكافة ان العقاب على الفساد لا يصيبن الفاعل فقط بل يطال الساكت عليه والذي لا يحرك ساكناً وذلك استناداً لقول المولى عز وجل :"وَاتّقُوا فِتنَةً لَا تُصِيبَنّ الّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُم خَاصَةً وَاعلَمُوا أَنَ اللهَ شَدِيدُ الِعقَابِ" الأنفال/25 فلنحذر كل الحذر من التمادي في مسايرة المفسد من باب الدعابة أو المؤازرة فكم من أمم عمتها البلوى واصبحوا في ديارهم جاثمين بسبب عدم الضرب على أيدى المفسدين.