محمد مرعي يكتب بمناسبة عرض مسلسل «ملكة في المنفى»
الملكة في عيون ابنها فاروق
«نازلي» ضحية عصر فؤاد.. وفاروق ضحية أمه
سقطت جدران السجن الملكي بوفاة السجان
السجينة خرجت إلى عالم جديد من «صنع هواها»
عندما هتف الشعب المصري:
«يا فاروق يا نور العين.. أمك مرافقة اتنين.. عمر فتحي وأحمد حسنين»
قتل أحمد حسنين قبل أن يغتاله الملك فاروق
هل هي مصادفة: 3 مؤرخات يكتبن تاريخ فاروق وأمه؟!
هل هي مصادفة: ثلاث نساء مؤرخات كتبن تاريخ واحدة من أشهر العائلات الملكية في الوطن العربي.. وتحديدا كتبن تاريخ آخر ملك في هذه الأسرة، وهو الملك فاروق الأول ملك مصر والسودان «كما كان يلقب» وتاريخ أمه نازلي؟!
المؤرخة الأولى هي الدكتورة «لميس جابر» التي كتبت مسلسل «الملك فاروق» الذي عرضه التلفزيون المصري وعدد من القنوات الفضائية العام الماضي، و«لميس جابر» هي زوجة الفنان المبدع يحيى الفخراني.
المؤرخة الثانية هي الإعلامية «راوية راشد» التي كتبت قصة «نازلي أم فاروق» «ملكة في المنفى».. والتي تعرفت على قصتها في الولايات المتحدة الأميركية وتابعت نهايتها عن قرب.
أما المؤرخة الثالثة فهي الكاتبة الصحافية «سهير حلمي» التي قدمت للتاريخ سجلا وثائقيا غنيا بعنوان: «فاروق.. ظالما ومظلوما».
وسهير حلمي واحدة من كبريات الصحافيات في الأهرام، ولا أدري هل هي مصادفة أن تقوم 3 مؤرخات بتقديم تاريخ الملك فاروق وأمه الملكة نازلي؟!
وبمناسبة عرض مسلسل راوية راشد عن الملكة نازلي الذي عرض ضمن مسلسلات رمضان، دعونا نغوص في صفحات تضمنها «السجل الوثائقي» الذي جاهدت الكاتبة الصحافية سهير حلمي في إعداده.
تقول سهير حلمي عن نازلي:
«إنها أول فتاة مصرية تحمل لقب ملكة في تاريخ مصر»!
وتقول:
«إنها - أي نازلي - كانت جميلة من عامة الشعب.. كانت الزوجة الثانية لملك مصر أحمد فؤاد الأول والد الملك فاروق الأول.. وان فارق السن بين الملك والفتاة التي اختارها لتكون زوجته الثانية 29 عاما».
وتقول سهير حلمي:
«ان اسم نازلي باللغة التركية معناه: ذات الدلال».
ربما كانت السنوات الـ 29 التي تفصل بين الملك أحمد فؤاد الأول ونازلي سببا في غيرة الملك على زوجته.. أو عدم الثقة في الزوجة.. وخاصة إذا علمنا من خلال كلمات سهير حلمي ان نازلي «رفضت الزواج في البداية»، لكنها وافقت تحت ضغط أسرتها، وربما تفسر الغيرة او عدم الثقة قرار الملك فؤاد بسجن نازلي في «الحرملك» وأحاطها بـ «قيود وسلاسل».
وتصف الكاتبة الصحافية المؤرخة سهير حلمي الملكة نازلي بأنها «ضحية من ضحايا عصر الملك فؤاد، وفي مقارنة تكشف عن مأساة نازلي تقول:
«ملكة حبيسة في قصر عابدين..» بأمر من الملك.. بينما ابنة الملك «وهي الأميرة فوقية» من زوجة سابقة وفي سن الملكة الحبيسة «تسافر كل عام الى أوروبا وتستمتع بحريتها كاملة».
معاناة نازلي مع زوجها الملك دفعها الى ان تقول للصحافية الأميركية «جريس هرسون» التي استطاعت ان تصل الى الملكة في محبسها:
«أدعو الله ألا تلقى ابنتي الأميرة فوزية نفس مصيري.. أتمنى أن تتزوج ممن تريد وأن تسافر وتذهب إلى كل مكان».
هذا ما قالته الملكة الحبيسة نازلي للصحافية الأميركية عام 1922.. وقد تأثرت الصحافية بحكايات نازلي أو كلماتها عن معاناتها مع الملك فقالت - كما ورد في السجل الوثائقي الذي أعدته الكاتبة الصحافية سهير حلمي:
«قرأت في طفولتي قصة العصفور والقفص الذهبي.. لكني - أي الصحافية الأميركية - لم أر عصفورا حقا داخل قفص من ذهب إلا حينما قابلت الملكة نازلي ملكة مصر الجميلة!».
لكن الصورة تغيرت بعد 14 عاما.. وبالتحديد في 28 أبريل من عام 1936.
القفص الذهبي انفتحت أبوابه.. السجن الملكي في أفخم قصر وأكبر قصر في الشرق انهارت جدرانه.
«العصفورة» السجينة طارت بعيدا عن السجن.. وأجوائه الرهيبة التي تصورها قيود أو أنظمة البروتوكول الملكي داخل قصر عابدين.
سبب انفتاح أبواب القفص الذهبي وانهيار جدران القصر: إعلان وفاة السجان.
الملكة السجينة هربت من القصر.. انفلتت على الآخر.. ضحكاتها أصبحت إعلان فرح وسعادة برحيل السجان!
تقول سهير حلمي:
«للأسف كان رد الفعل طائشا متهورا منزلقا.. فقد شاءت نازلي ان تختزن سنوات عمرها مع «سجانها» وسنوات عمرها بعد رحيله «في زمن خاص من صنع هواها!».
أصبح «زمن نازلي» الذي صنعته بـ «هواها»:
حفلات ساهرة قبل مرور 40 يوما على رحيل السجان.. أصبحت تفاصيل حياتها الجديدة.. مانشيتات الصحف داخل وخارج مصر.. نسيت ان لها ابنا ملكا شابا في حاجة إليها.. تفرغت لحياة جديدة على هواها.
وتقول الصحافية المؤرخة سهير حلمي:
«أصبحت حياة نازلي الخاصة كابوسا يؤرق فاروق ويهدد «عرشه».
وطغت حكايات نازلي مع رجل البلاط الملكي الرائد الذي أشرف على تربية فاروق وتعليمه في انجلترا احمد حسنين وعمر فتحي الياور الخاص لجلالة الملك!
انهارت صورة الملك الشاب وأمه أمام الشعب الذي أخذ يهتف بكلمات «زجل» شعر شعبي تقول كلمات «الزجل»:
«يا فاروق يا نور العين.. أمك مرافقة اتنين.. عمر فتحي وأحمد حسنين».
كانت الملكة تلهو بالرجلين معا.. إلى ان وقعت في غرام المغامر.. القناصة احمد حسنين.
وتتوالى على الملك الشاب أزمات أمه أزمة بعد أزمة:
ولنقرأ ما كتبته مذكرات السكرتير الخاص للملك فاروق «حسين حسني» لنرصد:
ان أولى نزواتها الطائشة - يقصد الملكة نازلي - حدثت عام 1937.. عندما أقيم احتفال استقبال الملك في بورسعيد كما يقضي البروتوكول.. لكنها رفضت أن تغادر القطار الملكي.. حتى يتم تنظيم استقبال مماثل لها.. قبل أن تصعد الى الباخرة التي ستقلهم إلى سويسرا.. في أول رحلة ملكية.. وعندما تم لها ما أرادت.. مارست حياتها بحرية وكما يحلو لها على ظهر المركب.. وعلى جليد سويسرا حاولت ان تتزلق على الجليد لأول مرة.. لكنها لم تكن مهيأة لذلك.. فتحول جميع نزلاء الفندق الى مدربين لها.. ونشرت صورها الفاضحة في الصحف دون مراعاة لوضعها كملكة أو أم ملك شاب في بداية ولايته.. وفي المساء كانت تراقص «أحمد حسنين».. وتوالت أخبار غرام الملكة بـ «أحمد حسنين».
أزمة حضور حفل تتويج الملك جورج السادس والد الملكة أليزابيث ملكة بريطانيا.. وعدم دعوة نازلي لها والاكتفاء بدعوة فاروق.. وإرضاء لها يتصل «أحمد حسنين» بالقصر الملكي البريطاني ويعالج معهم الموقف.. وتوجه الدعوة إليها لحضور الحفل.
أزمة حفل تنصيب الملك فاروق رسمياً
وتتوالى الأزمات إلى أن قالت نازلي عن ابنها:
إنه أصبح صورة مصغرة من ديكتاتورية أبيه!
وتساءل الناس:
كيف يحكم فاروق قبضته على صولجان الحكم.. وهو عاجز عن السيطرة على سلوكيات أمه؟
وتنتشر أزجال بيرم التونسي الشهيرة التي كتبها أيام الملك فؤاد.
لكن ما هي حكاية هذه «الأزجال»؟ وما هي حكاية بيرم التونسي؟
في يوم 25 أغسطس من عام 1920 نفي بيرم التونسي من مصر.. والسبب:
زجل كتبه بيرم بعنوان «القرع السلطاني».. كان محور هذا الزجل التشكيك في بنوة الملك فاروق لكل من الملك فؤاد والملكة نازلي.
لكن بيرم عاد مرة أخرى الى مصر بعد 18 عاما على نفيه.. ففي عام 1938 كان فوق سطح سفينة تعبر قناة السويس.. رست السفينة في ميناء بورسعيد.. تسلل بيرم من سطح السفينة ونجح في النزول منها.. وسجل مشاعره التي أملت عليه أبيات الزجل التالية:
«غُلُبت أقطع تذاكر، وشبعت يا رب غربة
بين الشطوط (جمع شاطئ) والبواخر من بلادنا لأوروبه
في بورسعيد السفينة رسيت تفرغ وتملا
هتف بي هاتف وقالي:
انزل من غير عزومه
انزل دي ساعة تجلس فيها الشياطين في نومة
انزل ربك تملي فوقك وفوق الحكومة».
لكن ماذا يقول الابن عن والدته؟ كيف عبر فاروق عن مأساته مع أمه؟
تعالوا نقرأ معاً في مذكراته التي نشرت في الملف الوثائقي الرائع الذي أعدته الكاتبة الصحافية سهير حلمي:
يقول فاروق في مذكراته:
لم يمض عام على وفاة والدي حتى بدأت والدتي في تلويث سمعتنا من خلال علاقتها بأحد كبار المسؤولين في القصر (يقصد أحمد باشا حسنين).. كنت شابا صغيرا.. حاولت إحياء ذكرى والدي.. ذهبت إليها (يقصد أمه) رجوتها ان تحفظ ذكراه نقية دون ان تدنسها.. بكت.. وعدتني وعودا كثيرة لكنها لم تف بها.. قضيت ليلة باكية.. تضرعت الى الله بالدعاء والصلاة.. توجهت اليها في الحرملك.. أخذت معي مسدسا.. وجدتها مع ذلك الرجل.. هددتهما بأنهما اذا لم ينهيا هذه العلاقة، فإن أحدهما سيموت لأنهما يدنسان ذكرى والدي، وأن الله سيغفر لي هذه الفعلة.
التزمت والدتي طويلا.. (لكن تفجر الغرام مرة أخرى) عام 1946.. استجمعت قوتي لتحقيق قسمي.. كانت مشيئة الله قد نفذت.. فقتل الرجل في حادث تصادم.
استكمالا للصورة نرصد رأيا آخر أو وجها آخر.. هذا الوجه على ذمة الكاتب الصحافي «مصطفى أمين» الذي سجل بالحرف الواحد:
في سنة 1937 عقد الشيخ مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر زواج أحمد حسنين من الملكة نازلي.. كان شاهدا على العقد أحمد لطفي السيد باشا وجعفر والي الوزيران السابقان.
وعندما تلقى الملك فاروق نبأ وفاة حسنين (في حادث سيارة) أسرع واستقل سيارته الى بيت أحمد حسنين في ميدان عبدالمنعم بالدقي.. ودخل غرفة نوم حسنين حيث كان يسجى على الفراش ومغطى بملاءة بيضاء.. اتجه الملك الى خزانة حسنين.. وفتحها.. أخذ عقد زواج أمه وحسنين ودسه في جيبه.
وخرج من بيت حسنين بخطوات سريعة!