"لأن من يقول لا .. لا يرتوى إلا من الدموع " .. و لأن " الله لم يغفر خطيئة الشيطان حين قال لا " .. و لأن ما فعله " اسبارتكوس " – قائد ثورة العبيد - بالإمبراطورية الرومانية لم يكن عادياً .. لهذا كله كان طبيعياً أن تجىء نهايته من نفس جنس فعلته .. غير عادية .. كان طبيعياً أن تنتهى حياته هو و رفاقه مصلوبين على طول الطريق المؤدية إلى قصر القيصر .. ليتعظ الجميع و ليعلم من لم يعلم بعد أن تلك هى نهاية كل " من قال لا .. فى وجه من قالوا نعم " .

1

الدستور ماتت .. حقيقة لا ينبغى أن نهرب من مصارحة أنفسنا بها كما لا ينبغى أن نسمح للحزن بأن ينسينا إياها .. ماتت مغدورة .. قتلوها كما قتلوا اسبارتكوس .. و من هم  مثل اسبارتكوس لا ينبغى أن يدفنون مباشرةً بعد قتلهم .. يجب أولاً أن يشاهدهم الجميع .. فجثثهم ليست جثثاً بقدر ما هى رسالة .. رسالة لكل مارق أياً كانت طبيعة مروقه .. لهذا .. ينبغى على جثة الدستور أن تظل معروضة على قارعة الطريق .. ينبغى أن ترونها مصلوبة على فرشات الجرائد كل صباح بعد أن تكون الضباع قد نهشت جزءاً جديداً من جسدها لتصبح الجثة مشوهه أكثرو أكثر .. و لتصبح العبرة ذات دلاله أعم و أشمل .. ومن لم يكن اللى حصل للدستور له واعظ .. فلا فائدة من المواعظ  .. لهذا .. هم لن يدفنوا الجثة الآن .. لن يدفنوها سوى بعد أن ينهشها أكبر قدر ممكن من الضباع و الطيور الجارحة .. لتصبح الأمور أكثر وضوحاً .. و ليعلم الجميع أنه .. اللى حيقف فى وش الإمبراطورية الرومانية .. حيتشمبر يا جدعان .

الدستور ماتت .. و لأن الإنسان لا يتعلم من أخطائه .. لهذا أخطأ الجنود الذين أوكلت لهم مهمة التخلص منها نفس الخطأ التاريخى الذى بسببه لا نزال نتذكر جيفارا و اسبارتكوس و مارتن لوثر كنج حتى الآن .. الرغبة الجارفة فى طمس معالم الجريمة و محو الإسم المراد التخلص منه من أذهان الجميع لجعل الجريمة تقع من قعر قفة التاريخ لا ينجم عنها دائماً سوى العكس .. حيث يحولون ضحاياهم إلى أيقونات لا تموت .. أيقونات رأسها بالموت محنية .. لأنها لم تحنها حية .. أيقونات مستعصية على النسيان .

الدستور ماتت .. ليس لأن مؤسسها فكرياً و روحياً و صحفياً .. أستاذى الأستاذ إبراهيم عيسى قد أقصى منها .. و ليس لأن السيد البدوى طلع من هواة شراء الجرائد ثم تخريبها ثم القعاد على تلها ثم الإنسحاب بعد بيعها أنقاض  لشريكه لغسل أيديه من ذنب لن يكفيه صابون العالم كله لتنظيف يديه منه .. و ليس لأن ذلك الرجل المجهول الذى طلع من هواة تطليع الجرائد برجله - و الذى سوف يحتفظ التاريخ له بواقعة أن إسمه قد ارتبط فى ظهوره للرأى العام لأول مرة بفعل مشين مثل تخريب و هدم جريدة رسمت الطريق لصحافة مستقلة جديدة أكثر جرأة و حيوية و تفاعل مع الناس كالدستور- قد أصبح هو المتحكم الأول و الأخير فيها .. و ليس لأن " شوية الولاد الصغيرين المبتزين بتوع الألفاظ النابية و الوحشة " بتوع الدستور - على حد تعبير هذا الشخص المجهول الذى لا يعرفه أحد -  دماغهم متركبة شمال و ليسوا موظفين بقدر ما هم محبين لما يفعلونه حيث أنهم من هبلهم و عبطهم لا يزالون يتعاملون مع الصحافة كنوع من أنواع الفنون التى تستلزم كل ما تستلزمه الفنون من توافر حد أدنى من الخيال و الموهبه و الإختلاف .. و ليس لأن رئيس الحزب المشهور و تابعه الرجل المجهول لم يستمعا إلى ملاحظة الأستاذ "جمال فهمى " المهمة فيما يخص الفارق الرهيب بين شراء جريدة و شراء محل طرشى - مع احترامنا لجميع الطرشجية – و فى هذا الصدد أود أن ألفت نظر الأستاذ جمال إلى أنهم يعلمون جيداً أنهم إشتروا جريدة .. ولكن رغبتهم كأصحاب رأس المال كانت هى تحويلها إلى محل طرشى .. حد يقدر يقولهم حاجة ؟! بفلوسهم .. يؤكد وجهة النظر تلك إستعانتهم بتلك الأسماء البارزة فى عالم صناعة الطرشى و التخليل عموماً بدلاً من الإستعانه بصحفيين أو بكتاب بجد .. الدستور ماتت لأن ما ترونه على فرش الجرائد الآن تحت إسم الدستور ليس سوى أكياس طرشى معبأة آلياً فى مكان مجهول .. أكياس طرشى مجهولة المصدر و لا تمتلك تصريحاً من وزارة الصحة .. إذن تم تحويل الدستور إلى مجرد معمل طرشى .. و تم إستبدال الصحفيين بطرشجية .. و هذا فى عالم الصحافة و الجرائد يعد جريمة تعادل تماماً جريمة صلب اسبارتكوس و أفراد جيشه الشجعان على قارعة الطريق المؤدية إلى قصر القيصر !

الدستور ماتت .. لهذا فليفعل كل منكم ما ينبغى عليه أن يفعله و ليضطلع كل بمسئوليته .. الضباع .. عليها أن تنهش الجثة المسجاة أمامها لتحدث بها أقصى ما تستطيعه من تشويه و تمزيق .. الغربان .. عليها أن تبذل ما فى وسعها للنعيق بصوت عالى بقدر الإمكان بما يليق بتلك الوجبة الدسمة من الخراب .. أما الشرفاء .. فليس عليهم سوى أن يقرءوا الفاتحة على روح تلك الفقيدة العزيزة و الغالية التى تم التمثيل بجثتها على مرأى و مسمع من الجميع بدون أن يحرك أحد ساكناً .. أما نحن .. أهل الفقيدة .. فلا تتصوروا أننا نؤمن بأن الموتى قد يعودون إلى الحياة .. فقط كل ما نريده هو تسليمنا الجثة لدفنها بمعرفتنا و بالشكل اللائق .. من منطلق أنه - و على حد تعبير أخى الأكبر " وليد " بعد رؤيته لماركة الطرشى الجديدة التى يطلقون عليها إسم الدستور – إكرام الميت دفنه !

2

هل هى مفارقة أن يكون مرتكب تلك الجريمة التى سوف يتوقف أمامها تاريخ الصحافة المصرية كثيراً بالتأمل و الدراسة و التحليل هو نفسه من يمتلك مجموعة قنوات إختار لها إسماً يتنافى تماماً مع فعل إنهاء الحياة مثل .. الحياة ؟!

هل هى مفارقة أن يكون من صنع إمبراطوريته من توكيلات شركات الأدوية هو نفسه من وضع السم على العسل الذى يقطر طوال الوقت من كلماته الودودة و من ابتسامته التى أعتقد أنها لا تفارق وجهه سوى عندما يكون جالساً وحده فى المساء يفكر .. بعيداً عن إجتماع لتخليص صفقة جديدة أو لتثبيت مجموعه من الصحفيين الشرفاء بإعطائهم وعوداً فى المساء سوف ينفيها تابعه فى الصباح أو وعوداً بعد الظهر سوف ينفيها تابعه فى المساء .. هل هى مفارقة أن يكون بائع الدواء هو نفسه بائع السم ؟!

هل هى مفارقة أن يكون الرجل الذى نفذ مهمة إغتيال الدستور و دفع سمعته السياسية ثمناً بخساً من أجل الحصول على رضا أولى الأمر – و هو يختلف تماماً عن رضا إدوارد – هو نفسه الرئيس الحالى لحزب الوفد الذى دفع بعض أعضاؤه فى الزمن الماضى حياتهم ثمناً لوجود الدستور المصرى من أساسه ؟!

هل هى مفارقة أن يتزامن توقيت مولد السيد البدوى الذى تجرى فعالياته حالياً على أرض مدينة طنطا مع مولد السيد البدوى الذى تجرى فعالياته حالياً على أرض  جريدة الدستور؟!  

عموماً .. و أياً كان ما سبق .. مفارقة و لا مش مفارقة .. مش فارقة كتير .. المهم أن نتأكد و نعلم جيداً أن تلك النوعيه من البشر .. الذين يجرى أمامهم رجال ببدل لفتح الأسانسيرات و يجرى خلفهم رجال ببدل يحملون الشنط و ملفات الصفقات .. تلك النوعية لا تدرك أحجام الأمور كما ندركها نحن الناس العاديين اللى مافيش رجالة ببدل بيجروا وراهم أو قدامهم .. أراهنكم أنهم مندهشين من كل تلك ردود الأفعال التى من المؤكد أنهم يرونها غير منطقية .. إيه يعنى جرنال محترم اشتريناه و خربناه و حولناه لمعمل طرشى .. الدنيا اتهدت يعنى ؟!

لهذا .. الدكتور المشهور و تابعه المجهول .. دعونى أهنئكم بمنجزكم التاريخى الوطنى الرائع الذى سوف نتذكركم به ما حيينا كلما وضع أحدهم أمامنا طبقاً من الطرشى .. أما فيما يخص حكاية ورطة المسئوليات اللى ورا البنى آدم منا و أكل العيش و الفواتير و حنعمل إيه فى الحياه و كل تلك التفاصيل الرخمة .. فتلك طبعاً مشاكل .. و لكن المشكلة الأكبر أننى و للأسف .. ماليش فى الطرشى !