بقلم : علي المرسي

 

تمر بي الأيام يا أمي كئيبة ثقيلة فلا أدري أأبكي عليها أم أبكي منها ؛ ولعلك تدهشين لماذا أكتب إليك بعد هذا الجفاء ؟ فصدقيني لقد عشت أيامي طولا وعرضا ؛ شرقا وغربا و شمالا وجنوبا ؛ وتهت بين لافتات المدن وعواصم البلدان وأرصفة الشوارع عرفت وتعاملت مع أنواع كثيرة من البشروسافرت إلي بلاد الله فلم أجد قلبا يصدقني الحب دون مقابل ولم أجد متسعا في عقل وقلب انسان دون مصلحة . وأنا أعيش هذا كله أتذكر حضنك الدافئ وحبك السرمدي دون كلمة شكر واحدة تنطقها شفتاي ؛ مراحل ومحطات كثيرة يا أماه مررت بها ومنها ما استوقفني قليلا ومنها ما مررت عليه مر الكرام ولكن يبقي دوما قاسما مشتركا في كل هذه المحطات وهي الكآبة التي لم ولن أجد مفرا منها إلا اليها ! فلا تعجبين كيف أعيش ؟ أحيانا أتناسي هذا الواقع المؤلم وأعيش مرحا فرحا منطلقا حتي من يراني ويتعامل معي يظن أنني بلا هموم بل ويحسدونني علي هذا الانطلاق وتلك الابتسامة فهم لا يدرون ما يحمل قلبي من حزن راكد وهم دفين وأحيانا أخري لا أعرف ماذا أفعل ولا أستطيع التفكير فيتوقف عقلي وتتوه خطواتي عن الطريق ..
لقد مر علي فراقنا ما يزيد عن عشرين عاما وكثيرا ما تذكرتك وتذكرت أيامي بين يديك وتذكرت الحياة وقتما كنت بها فشتان ما بين حياة أنت بها وحياة أحياها بدونك ! اسمحي لي يا أماه أن أعود بشريط الذكريات قليلا الي الخلف وقتما كنت انسان له هدف ويعيش في بيئة نظيفة لا تملؤها الأحقاد ولا تسيطر عليها الأنانية . أجل لقد عشت هذه الفترة من حياتي معك لا أعرف معني العداوة والبغضاء فلم أعاد إنسانا مطلقا ولم أجرح أحدا ولم أسب أحدا ولم أتلون ولم أغش ولم تكن أحلامي وقتها إلا تحقيق النجاح . لقد كنت في تلك الفترة نقيا بما يتيح لي من القدرة علي صياغة مشاعري وأحاسيسي شعرا فلم يمر يوم وقتها دون أن أكتب . وكتبت عن كل شئ وكأنني كنت ألون أيامي بهذه الأبيات التي كنت أشعر جدا بها فكم كانت كلماتي صادقة تخرج من قلبي فتلمس شغاف القلوب وبرعت في فن القريض وخضت المسابقات والأمسيات ونلت الجوائز وشهادات التقدير . فكثيرا ما أعلنت أن هدفي وطريقي هو الأدب فعشت له وتربيت علي كلمات العمالقة ودرست الشعر الجاهلي والإسلامي ومررت بالشعر الفاطمي والعباسي وقرأت لشعراء المهجر ومررت بالشعر الحديث وخضت تجاربا في فن الزجل والشعر العامي كانت ناجحة وأخيرا الشعر الحر . ألم أقل لك أنه كان هدفي وكان اختياري وطريقي الذي سرت عليه والذي دفعني للالتحاق بكلية الأداب قسم اللغة العربية فكان التحاقي بها عن رغبة أكيدة وحب للغة العربية وتقليدا لادباء وشعراء ساروا علي نفس الدرب ... آه يا أمي لقد كنت أشعر بأني أمتلك العالم وكم كنت أشعر بأني متفردا متميزا عن سائر جيلي فكنت أثناء دراستي أستمتع بمحاضرات الشعر والأدب ولدي نهم بالمعرفة والإضطلاع ولذا تفوقت علي مدار سنوات الدراسة بالجامعة .. ولقد مرت سنوات الدراسة حلما جميلا وكانت نهاية الدراسة بالجامعة هي نهاية المحطة الأولي في حياتي .. وسأحدثك يا أماه عن المحطات التالية في كلمات أخري فانتظريني !!!!!