هكذا تكون التربية سمعتُها تُخاطب إبنَتُها بلسان عذب وخطاب صحيح وراقى وبنبرة صوت غُلفت بحنان الأم ، سألتها عن إمتحانها .... فهنئتها بفرحة تزيد عن فرحت إبنَتُها ، وأنهت خطابها معها بكلمة بحبك . أيها السادة ربما ما سمعته من تلك الأم الرائعه الراقيه هو ما دفعنى لكتابة هذا المقال ، كتبته لأقول إنه هكذا تكون التربية ، كتبته لأقول إن ما يُميزأفراد مجتمع عن أفراد مُجتمع آخر هو ثقافة ذلك المجتمع ونوع التربية السائدة فيه والتى تجعل منهم أشخاصاً ذوى هوية مُحددة وواضحة ، ولأقول أن التربية علم يجب على الوالدين إدراكه ، او إدراك ملامحه العامة ، ، علينا جميعاً أن نُدرك أن أبنائُنا هم رسالتنا فى تلك الحياة ، وربما لم نستطيع نحن تقديم شئ لهذا الحياة ، ولذلك أبنائنا فرصة رائعه لنقدم من خلالهم شئً او أشياء للحياة حتى لا نشعر أننا زائدين عليها ، ولكن دون أن نسعى الى القولبة ونقصد بذلك عدم وضع الابناء فى قالب مُعين وإطارمُحدد لا يُمكن تجاوزه بأن يكون الاب الطبيب يريد أبنه طبيب
 
وهكذا فعلينا أن نُدرك أن لكل إنسان شخصيته المُستقله التى تختلف عن الاخرين حتى وإن كان الاب والام أنفسهم ، علينا جميعاً كوالدين أن يكون لدينا عقل نستضيئ به للنجح فى هذا الامر ، وإستضائت العقل دائماً ما تأتى من المعرفة ، كما أن تحقيق الهدف دأئماً ما يبدأ بالرغبة فى الوصول إليه ، علينا أن نُدرك أن أبنائنا تمر بمراحل عدة ولكل مرحلة ملامحها الخاصة بها ، ولقد تكلم علماء النفس وعلماء التربية كثيراً فى هذا الامر إيماناً منهم أن الاهتمام والارتقاء بالابناء إنما هو إرتقاء بالامة كلها والمجتمع بأسره وعلماء النفس يتحدثون عن إنه يجب على الوالدين أن يكون لديهم ما يسمى بالابُوه والأمومة الراعية : وتشمل الحب والحنان والعطف والود والرعاية والحماية والملاحظة والمداعبة والتدليل . وايضا الابوه والأمومة الناقدة : وتشمل النقد والتوجيه والتعديل والأمر والنهى والسيطرة و أحياناً القسوة غير المُفرطه ويتحدثون أيضاً إنه يختلف الآباء و الأمهات في تربية أبنائهم ، فبعضهم يسلك طريق القسوة و إنزال العقوبات الصارمة المؤذية و المؤثرة علي شخصية الطفل ونموه الانفعالي معتقدا أن التصويب يكون بإظهار القوة من جانبه والخنوع و الاستسلام من جانب الأولاد .
 
والبعض الآخر من الآباء و الأمهات تتحكم فيهم عواطفهم و يستسلمون أمام تعنت الابناء و إصرارهم علي إشباع رغباتهم فيتركون لهم الحبل علي الغارب فينشأ الابناء بمفاهيم طفولية و بسلوكيات لا مسئولة خالية من ضبط النفس و معرفة الحدود فيمارسون ما اعتادوا عليه في أسرتهم مع المجتمع الخارجي فيُصدموا بالواقع المختلف عما نشأوا عليه و يصبحوا عرضة للإحباطات و الاضطرابات النفسية . ولذلك يدعون دائماً لضرورة أن يكون هناك توازن بين الامرين ، الرعاية والحب والحنان وفى نفس الوقت النقد والتوجيه والارشاد والعقاب أحياناً ( العقاب على قدر الخطأ هو مبدأ معلوم فى تربية الابناء... فلا يُعقل أن نقتل ذبابة بالمدفع!! ) ويتحدثون علماء التربية أن العملية التربوية لها خمسة عناصر وهى ... المُربِّى(الاب والام) والمُربَّى (الابناء) والمنهج والزمن والمناخ ، وعنصر واحد فقط من تلك الخمسة وهو المُرَبِّى يتحمل 60% من نجاح تلك العملية. ويتحدثون أيضاً عن أن 90% من القيم والسلوكيات تنغرس فى الطفل فى الاعوام الثمانية الاولى ، ومن هنا جاءت دعوتنا الى ضرورة معرفة علم التربية ووسائله او على الاقل ملامحة العامة كما أسلفنا من قبل. ومن تلك الوسائل وكما أوضح أستاذنا محمد سعيد مرسى فى كتابه(أحسن مُربى فى العالم.. ص 14) 1/التكرار..
 
.فلقد أثبتت الدراسات أن الانسان يذكر 10% من الشئ إذا تكرر أمامه مرة واحده ، بينما يتذكر 90% منه إذا تكرر 6 مرات 2/ القصة ...لشد إنتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية 3/ التعليم الابتكارى...فمن المهم أن نُخرج الطفل من حيز التقليد الى حيز الابداع 4/ مُخاطبة العقل الباطن...أثناء النوم العميق يجب أن نهمس و نردد فى أذانهم عبارات إجابية مثل فلان لا يكذب..فلان يحب الرياضيات وهكذا 5/التعويد... وربما تأتى هنا كلمة الامام الغزالى لتكون خير دليل حين قال ( والصبى أمانه عن والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة، فإن عُود الخير وعَلِمه نشأ عليه وسعد فى الدنيا والاخرة ) 6/ القدوة... فلا تتصرف انت امام ابناء بما تنهاهم عنه ...تصرف دائماً بإيجابية ايها السادة.. علينا أن نغرس ونعود أبنائنا ونعلمهم مبادئ الاسلام ومكارم الاخلاق، نعلمهم الصدق والامانه والوفاء وبر الوالدين وحب العلم وإتقان العمل وتقدير قيمة الوقت ، نعلمهم حب الاوطان، نعلمهم عمل الخير، نعلمهم المبادئ والسلوكيات والعادات الاجتماعية الصحيحة ، نعلمهم إحترام الاخر ورأيه ، ، نُعلمهم أن الحب يجلب الحب ، نُعلمهم الاهتمام بمشاعر الاخرين والرحمة بهم ، (ويكفينا الاسلام مُعلماً أذا أحسنا فهمه وتطبيقه ) ولنعلم نحن أن الزاد الذى نعلمه لابنائنا صغاراً سنجد آثاره وهم كبار. أخيراً .. دعوتى ايها الساده.... أن هيا بنا نحفر البئر قبل أن نُصاب بالعطش . فقد ينفع الأدب الاولاد فى صغر.... وليس ينفعهم من بعده أدبً إن الغصون إذا عدَّلتها اعتدلت..... ولا يلين ولو لَيِنّته الخشب
 
بقلم/ عادل عبد الستار العيلة....ممرض بالطب النفسى