ايديولوجية السراميك
ربما لم أندهش كثيراً حين أخبرنى صديقى اليوم بحادثة غريبة وإن كان الأصح أن نقول عنها كارثة!
وهى أن طبيب فى إحدى مٌحافظات الصعيد قام بعمل عملية ولادة قيصرية لمريضة على الرغم من أن نسبة الهيموجلوبين فى الدم كانت (4) وهذه النسبة قليلة للغاية بل هى خطيرة أيضاً فى الحالة العادية ، فما بالكم حين تدخل صاحبة تلك النسبة الى الجراحة!! وبالطبع تعرضت المريضة الى مأساه حقيقية وهى داخل غرفة العمليات مع هذا الطبيب الذى ربما لم يهتم الا بما سيحصل عليه من مال ، وتعرض الطفل الجنين ايضاً الى مأساه .. أما المأساه الحقيقية هى أن الطبيب مازال حر طليق وربما ونحن نكتب تلك السطور تكون هناك مأساه جديدة تُنسج خيوطها على يد نفس الطبيب!!
أقول اننى لم أندهش وذلك لانه قد قُدر لى أن اذهب الى احد المستشفيات العامه فى اجازتى الاخيره كى ازور احد اقاربى ولست مُبالغاً ان قلت اننى ومن اول لحظه لم اشعر ابدا اننى داخل مؤسسه علاجيه ، فلقد كانت نموذجا لعدم النظام والنظافه والترتيب والشعور بالمسئوليه ، لاحظ اننا نتحدث عن مكان لعلاج المرضى يجب ان تتوفر فيه ابسط مظاهر النظام والنظافه والمسؤليه والهدوء ومنع العدوى ، المهم اننى وصلت الى غرفه المريض وقد رأيت ما تقشعر منه الابدان ، اسره بلا غطاء حتى التى عليها المرضى ، مراتب مُقطعه - اما الارض وجدتها مُغطاه فى معظمها بالدم تخيل الدم ( نحن نتحدث عن مستشفى ) وجدت فى الجناح اكثر من عشره مرضى ولم اجد الا ممرضه واحده(وهذا ليس ما هو على الورق فانا ممرض واعلم جناح به عشره مرضى فى اقل تقدير يوجد 2او3 تمريض فاين الباقى ؟!!)
اما ما زاد دهشتى حقا هو ان الممرضه ومعها طبيب دخلوا الغرفه مرتين وانا موجود وقد رأوا الدم والزباله مُبعثره فى الغرفه ولكن دون ادنى تعليق ، وخيل الىّ وقتها انهم رأوا باقات من الزهور حول المرضى ومن ثم فهذا امر طبيعى !!!! ثم رأيت ما لم يصدقه عقل وجدت مريض يَتبرع بالدم .. ووجدت كيس الدم وقد وضعته الممرضة على قفص جريد (قفص مصنوع من جريد النخل مثل ذلك الذى يوضع فيه الفاكهة والخضار) وسؤالى كيف دخل هذا القفص الى المستشفى ؟! وما هو دور هذا القفص فى العملية العلاجية؟! وهل اصبح هذا القفص أحد أدوات الفريق العلاجى داخل تلك المؤسسة العلاجية؟! ما هذا الذى يحدث داخل مؤسسات العلاج ايها السادة؟! نعم استطيع أن اقول بإرياحية شديدة أن هذا المستشفى الذى دخلته كان عنوان للموت وليس للعلاج ، لذلك لم أندهش حين اخبرنى صديقى بتلك الحادثة سالفة الذكر لان كل إناء ينضح بما فيه!!
وما اريد ان اقوله فى هذا المقام والمقال هو هل سيظل هذا العبث وذلك الاهمال فى المؤسسه العلاجيه ؟ هل سيظل اى دعم ياتى الى هذا المستشفى او ذاك يصرف معظمه على الدهان وتغير سراميك المداخل والوجهات كما رايت هذا بعينى دون الالتفات الى الجوهر، الى تغير سياسه التشغيل الى تغير ايديولوجية القائمين على اداره تلك المؤساسات ،الى الاهتمام بتوفير الاجهزه و التكنولوجيا الحديثه للمكان ، السعى لعمل دورات تدريب مستمر لكل الفريق العلاجى إبتداء من الطبيب وانتهاء بالعامل ، الاهتمام بوجود رقابه حقيقيه لكل هؤلاء ايضا إبتداء من الطبيب وانتهاء بالعامل ،لان الغريب ان العامله كانت موجوده ورأت هى بعينيها الدم على الارض ورأت تلك الزباله المبعثره بجوار المرضى ولكن لم يحرك كل هذا لها ساكنا!! اذاً لو ان هناك رقابه حقيقيه لتلك العامله لكان الحال غير الحال
اخيرا: كل ما اتمناه الان ان نبدأ فى تغير انفسنا وتغير سلوكنا فلقد غيرنا ما كان بعضنا يعتقد انه لن يتغير فلابد ان نُغير ثقافتنا تجاه العمل وان نراعى الله فيه وان نُعلم هذا لابنائنا حتى تصبح هذه الثقافه هى الثقافه العامه للجيل الجديد......
.حفظ الله مصر....أرضاً وشعباً وجيشاً.
بقلم/ عادل عبدالستار العيلة .........ممرض بالطب النفسى