أنا والبقرة
كنت في مكان ما ورأيت بقرة تمشي وتأكل من خشاش الأرض, أخذت أحدق فيها وأتابعها ببصري وأرقب مشيتها وحركتها, نسيت المكان والزمان واقتربت منها وقلت: لم أر في وجهك علامات القلق والتوتر والخوف والارتباك الذي يعتري البشر .. ألا ترين ما نحن فيه من سوء الأحوال والفرقة والحسرة والألم, وضيق العيش وسوء الأخلاق والفوضى والقتل ؟! فقالت:
يا سيدي عندما عرض الله الأمانة علينا أبينا أن نحملها, لقد أدركنا أننا لن نقدر عليها فأشفقنا على أنفسنا وآثرنا أن يتولى ربنا أمرنا, وخرجنا من اختيارنا إلى اختيار الله حتى نعفي أنفسنا من عبء التكليف بـ ( افعل ولا تفعل ), وحملتموها أنتم فلم تأخذوها بحقها.
يا سيدي ليس فينا خبيث ولا منافق ولا كذاب, ليس فينا انتهازي ولا متسلق ولا عابد مال وسلطة, إنما هؤلاء فيكم .
كلنا في الحياة سواء, ليس عندنا مناصب فيطمع أحدنا فيها, لا يتعالى بعضنا على بعض, ولا يخالف بعضنا بعضا في الرأي بمنفعة يصيبها فنتقاتل, ولا يتشدق أحدنا بالكلمات فيقلب الباطل حقا والحق باطل, ولا يعرف أحدنا مكرا لصاحبه ولا وشاية, إنما أنتم كذلك .
يا سيدي إن أحدكم يثور ويغضب إذا وصفوه بالحيوان.. غير أننا والله عليكم منكم مشفقون, فما منا من أحد يسعى في أسباب هلاكه مثلكم, وما منا من أحد بحاجة إلى تجربتين كي يحذر.
لا ينشغل الفرد منا إلا بنفسه, ولا يشقى الواحد منكم إلا برأسه, لا ندعي البطولات , ولا تحركنا الأوهام.. لا نجحد فضلا, ولا ننكر معروفا, ولا نأتي في السر ما نخجل أن نأتيه في العلن.. إنما أنتم كذلك .
جعلتمونا سبابا يشتم بعضكم بعضا بأسمائنا, ونحن نبرأ إلى الله من صنيع أحدكم إذ يلقي أخاه بوجه طلق فيثنى عليه بما يحب؛ حتى إذا غادر ذكره بما يكره, نبرأ إلى الله من صنيع أحدكم يحقد على أخيه إذا رآه في نعمة حسده وتمنى زوال نعمته, نبرأ إلى الله من صنيع أحدكم يبيع دينه من أجل دنياه,-وإن فيكم من يبيع دينه بدنيا غيره-, نبرأ إلى الله من كل ذي قوة فيكم يبطش بالضعيف ويقهر المظلوم, نبرا إلى الله من أحدكم يلحن بالقول فيلبس الأشراف عارا ويبرئ المجرم فيسوق العامة إلى حيث يشاء.
يا سيدي نحن لا نخشى على أرزاقنا وأقواتنا, نحن لا نخشى في هذه الدنيا إلا من غدركم, يسوءنا ما أفسدتم في الأرض بطمعكم وجشعكم وجهلكم .
إن الأمراض التي استوطنت نفوس بني البشر جعل الخالق لها شفاء في منهج السماء.. غير أنكم آثرتم الطين على اليقين, وأتيتم من فنون السوء ما عجزت عنه الشياطين, وجعلتم أسباب العار فوق أسباب الوقار .
يا سيدي نحن الحيوانات .. ليس أنتم.
فلماذا أنتم متعبون مرهقون بائسون؟!
أنتم الأسياد الذين صنعوا الشقاء لأنفسهم بأنفسهم, إننا نحمد الله على أننا لسنا منكم, وإن أحدنا قد يترفع على أن يصف أخاه فيقول ( يا إنسان ) .
أحمد المنسي
Almansi9@hotmail.com