إن دور حرية الجمعيات فى تعزيز المجتمع المدني وجود نظم وأطر وأساليب ديمقراطية واحترام فعلى لمبدأ سيادة القانون. وأن لكل شخص طبيعي أو معنوي الحق فى المشاركة فى تأسيس الجمعيات وإدارتها والانتساب إليها والانسحاب منها بحرية وذلك من أجل تحقيق هدف أو أهداف لا يبتغى منها اقتسام الربح ويكون من حق الجمعية بدورها الاستفادة من الشخصية المعنوية المستقلة المتمتعة بالحقوق والحريات. ولا يجوز وضع القيود على ممارسة هذا الحق غير تلك المنصوص عليها فى القانون والتي يستوجبها المجتمع الديمقراطي.. ولا يجوز تفسير هذه القيود إلا تفسيراً ضيقا وحصريا وفى حال الغموض يعمل بمبدأ الحرية. وعلى الدولة بمشاركة المجتمع المدني العمل على وضع إطار تنظيمي يشجع على ممارسة حرية الجمعيات وتقوية مجتمع مدني مستقل ناشط وديمقراطي وعلى الإدارة العامة أن تتعامل مع الجمعيات على قدم المساواة ودون أي تمييز. إن المبدأ القانوني الأساسي الذي ترتكز عليه حرية الجمعيات هو حق التأسيس دون حاجة إلى ترخيص أو أذن مسبق فالجمعيات تتأسس بمجرد اتفاق إرادة مؤسسيها ويجوز الإعلان عنها بمجرد الإعلام / الإخطار المسبق ولا يمكن إخضاع التأسيس لأي تدخل مسبق من السلطة الإدارية أو من السلطة القضائية. ولا يجوز أن تكون أهداف الجمعيات أو أنظمتها أو شخصية مؤسسيها أو انتماءاتهم أو عددهم أيا كانت مجالات عملها أو تصنيفها سببا لفرض أية قيود أو عراقيل على تأسيسها.وأباحت مسودة القانون تأسيس الجمعيات وممارسة نشاطها بمجرد “الإخطار”، دون انتظار موافقة الجهة الإدارية، حيث نصت المادة الخامسة على أنه “تثبت الشخصية الاعتبارية للجمعية بمجرد قيام ممثل جماعة المؤسسين بإيداع إخطار مستوفى المستندات اللازمة بتأسيس الجمعية لدى مديرية التضامن الاجتماعي المختصة مكانياً. وتصدر للجمعية مباشرة شهادة برقم قيدها والمستندات التي أودعتها، وذلك بعد سداد الرسم المقرر”.وبحسب المادة السابعة، فإذا رأت الجهة الإدارية وجهاً للاعتراض على التأسيس، فلها أن تخطر الجمعية بأسباب الاعتراض. فإذا لم تقم الجمعية بإزالة الأسباب يكون للجهة الإدارية اللجوء إلى القضاء، بطلب للحكم بإزالة أسباب المخالفة أو وقف الجمعية لحين الفصل بالدعوى. وحظرت المادة 11 على الجمعيات إنشاء السرايا أو التشكيلات ذات الطابع العسكري، أو أن يكون هدفها هو الربح، أو دعم وتمويل مرشحين حزبيين أو مستقلين للرئاسة أو المجالس النيابية أو المحلية. ولا يشمل هذا الحظر حق الجمعية في التوعية السياسية أو التعبير عن آرائها ومواقفها في قضايا الشأن العام.

كما يحظر على الجمعيات القيام بنشاطات النقابات المهنية والعمالية، وأي نشاط يدعو للكراهية أو يحض عليها، أو التمييز بسبب الجنس أو العقيدة أو اللون. وأجازت المادة 19 للجمعيات تلقي الأموال والهبات والمنح المصرية من الداخل، والأجنبية من الخارج، دون موافقة مسبقة من الجهة الإدارية. على أن تقوم الجمعية خلال 30 يوماً من تلقيها الأموال بإخطار الجهة الإدارية باسم الجهة المانحة، والنشاط الذي تستخدم به هذه الأموال. وفي حالة اعتراض الجهة الإدارية لأسباب قانونية فلها أن تتقدم للقضاء بطلب خلال الـ30 يوماً التالية وإلا سقط الحق في الاعتراض.

وتلزم المادة 22 الجمعيات بمعايير الشفافية وإعلان مصادر تمويلها، ونشرها داخل مقارها، وعلى شبكة المعلومات الدولية. وتناولت المادة 95 حالة مخالفة الجمعيات للقانون، وحددت غرامات يسيرة على مخالفات جسيمة، حيث فرضت غرامة 2000 جنيه على الجمعية عقاباً لها إذا خرقت المحظورات المنصوص عليها بالمادة 11، بإنشاء سرايا أو تشكيلات عسكرية، أو شاركت في تمويل مرشحين حزبيين أو مستقلين، للرئاسة أو البرلمان أو المحليات، أو حضت على الكراهية أو التمييز بسبب الجنس أو العقيدة أو اللون أو اللغة وما شابه. كما تضمنت المادة ذاتها غرامة 1000 جنيه على مسئول الجمعية إذا تلقى أموالاً، أو جمع تبرعات دون موافقة الجهة الإدارية، وعلى من يباشر نشاط الجمعية، وهي موقوفة، أو قبل إشهارها. وبفحص مسودة قانون الجمعيات الأهلية الجديد تجد المنظمة أنه يجافي روح الدستور التي أعطت للجمعيات الأهلية حق التأسيس بالإخطار، أخذاً في الاعتبار أن قانون الجمعيات الأهلية باعتباره من القوانين المكملة

المعايير العالمية المتوافق حولها والمعروفة للجميع, والتي تحترم حقوق المبادرات الأهلية, وتوفر لها الحماية القانونية, والبيئة المناسبة للعمل( منها تبسيط إجراءات التسجيل والإشهار, حق الجمعيات في إدارة وتسيير شئونها, فتح باب النشاط, توفير مزايا ضريبية, احترام استقلالية المنظمات الأهلية طالما أنها تحترم القانون, حل المنظمة بيد القضاء… وغير ذلك) توافر متطلبات تمييز الشخصية القانونية للكيانات والمبادرات الأهلية, وأبرزها توافر تنظيم له واقع مؤسسي, يتبني أهدافا محددة ولائحة عمل, وعدد معين كحد أدني من الأفراد يمثل المنظمة, والمجال الجغرافي, الفئات المستهدفة.

تطبيق مبادئ أو معايير محددة تحدد لنا مجال ظاهرة الجمعيات الأهلية, وحتي يتم التمييز بينها وبين كيانات أخري, مثل الأحزاب السياسية, أو الجمعيات التعاونية, أو مراكز الشباب, أو جمعيات الإسكان, أو المؤسسات ذات السمة الدينية, إلي جانب تحديد مفهوم عدم تسييس نشاط الجمعيات بكل دقة في مقابل الحقوق والمزايا والبيئة السياسية والاجتماعية المهيأة لعمل المنظمات التطوعية الإرادية, هناك واجبات إزاء الدولة والمجتمع عليها الالتزام بها وفقا للقانون, أهمها: الانفتاح والشفافية والنزاهة وتحقيق مصداقية سعيها للنفع العام أو الصالح العام, وتجنب تضارب المصالح, والالتزام بالأنشطة التي تبتعد بها عن تحقيق مصالح اقتصادية خاصة.

لكن يبقي أمام اللجنة الوطنية المعنية بصياغة تشريع جديد للجمعيات الأهلية, عدة إشكاليات مهم الاعتراف بها وحسمها في ضوء الخبرات العالمية والنماذج المقارنة بين التشريعات, وهي تتمثل في الإشكاليات الخمس التالية:

الإشكالية الأولي والتي كانت دوما محل صراع وجدل بين الحكومة والجمعيات الأهلية( خاصة المنظمات الحقوقية) تتمثل في قضية التمويل الخارجي, من المهم بداية التوافق حول قيم النزاهة والشفافية والمحاسبية لدي الأطراف التي تتلقي التمويل, وهذه القيم يتم تحويلها إلي آليات محددة لضبط المسار. وإذا كان هناك حق معترف به للمؤسسات المانحة بخصوص المحاسبة ومراجعة الإنفاق, بل وفي كثير من الأحيان تقييم الأداء, ففي المقابل هناك حق للحكومة( الجهة الإدارية المعنية) في توفير معلومات لها عن مصادر التمويل والإنفاق… يمكن الاستفادة من خبرات دولية تفرض علي المنظمات الأهلية إخطار الحكومة بالمصدر, وطبيعة الإنفاق, والمشروعات, علي أن يتم التحويل أو الدعم المالي لحساب محدد, وفي أحد البنوك القومية, بشكل مستقل حتى يمكن العودة إليه في حالة ارتباطه بمشاكل تمس النزاهة أو الأمن القومي.

الإشكالية الثانية التي يجب التصدي لها بقوة عند صياغة التشريع المصري للجمعيات الأهلية, تتعلق بحالة الخلط بين العمل السياسي والعمل الخيري تحديدا… ففي العامين الماضيين وحتى هذه اللحظة, كان العمل الخيري هو الغطاء السياسي للحصول علي دعم الحشود والموالين للتيارات الإسلامية, خاصة في الوجه القبلي وهي حالة استغلال فاضح لحالة الفقراء… يكفي هنا الإشارة إلي أن مراجعة الكاتبة للجمعيات الأهلية التي تم تسجيلها بعد ثورة يناير في مصر, كشفت عن أن4600 جمعية جديدة تم تسجيلها, أكثر من نصف هذا العدد جمعيات تابعة للإخوان والتيارات السلفية, وتركزت في الوجه القبلي.

إن الإشكالية السابقة ترتبط بشكل مباشر بغياب التوثيق الدوري المنضبط, لحسابات الجمعيات الأهلية, والخيرية خاصة, التي لا يتوافر لها أو عنها تقارير وبيانات موثقة عن إنفاقها, ومصادر تمويلها, والفئات المستفيدة… ومن ثم يصبح القانون في هذه الحالة, هو الآلية الرئيسية… بمعني توفير نص قانوني يلزم كل الجمعيات- الخيرية والتنموية والحقوقية- بالتوثيق الالكتروني لكل مجالات نشاطها وتمويلها وإنفاقها والفئات المستفيدة, وتلتزم الجمعيات سنويا بتوفير هذه البيانات لجهة رسمية.