م : ن
قالت مجلة "الفورين بوليسي" - الأمريكية - بلهجة يشوبها الاستهجان: بعد ثلاث سنوات من التظاهرات ضد هذا النوع من الصفقات التجارية القائمة على المحسوبية والتي التهمت الاقتصاد المصري تدرس البلاد الآن اللجوء إلي نفس الأشخاص الذين نهبوها من أجل إنقاذ اقتصادها المترنح، وعلي الرغم من التظاهرات والمطالب واسعة النطاق من أجل تحقيق عدالة اجتماعية فقد شهدت مصر ما بعد الثورة القليل من التطورات حيث صنفت منظمة "الشفافية الدولية " مصر في المرتبة 114 من 117 دولة في "مؤشر مدركات الفساد"، وبالفعل موقعها قد هبط منذ عام 2011. ورأت المجلة الأمريكية في تقريرها الذي جاء بعنوان "المحتالون يعودون إلى القاهرة" أنه على الرغم من أن العلاقة ما بين كبار رجال الأعمال المقربين من مبارك ، والحكومة الحالية يبدو أنها قد انقطعت منذ فترة طويلة، حيث الملاحقات القضائية التي استهدفتهم من قبل الحكومة العسكرية المؤقتة التي حكمت البلاد بعد الإطاحة بمبارك، لكن "المصالحة " من الممكن أن تسمح للحكومة المدعومة من الجيش باستعادة نفس شبكات رجال الأعمال القوية التي ازدهرت خلال حكم مبارك . ونقلت عن غادة علي موسى، أستاذ العلوم السياسية رئيس مركز الحكم لمحاربة الفساد، قولها: "إن هذا الإجراء سيفتح الباب أمام المزيد من الفساد، والهروب من العدالة... إن صفقة المصالحة مع سالم ربما ستكون نموذجًا مثاليًا ينتهجه الآخرون لاحقًا." ورأت المجلة أن السبيل الوحيد أمام الحكومة المصرية لاستعادة أصول سالم المجمدة في سويسرا وهونج كونج وإسبانيا هو رفضها عقد صفقة التصالح معه والتفاوض مع إسبانيا على ترحيله... واعتبرت أن تسليمه للسلطات المصرية يعني إلزامه بدفع أكثر من 4 مليارات دولار غرامات وتعويضات، علاوة على سجنه 22 عامًا، على خلفية الأحكام القضائية الصادرة ضده من قبل القضاء المصري. وكشفت "الفورين بوليسي" عن أن نجاح صفقة "المصالحة" لن يعيده فقط إلى "النعيم" الذي كان يتمتع فيه ولكنها ستنهي التحقيقات الأجنبية فيما يتعلق بمصادر ثروته، ونقلت عن أوليفر لونجشام - مسؤول العلاقات المالية الدولية لدي منظمة " بيرن ديكلاريشن " السويسرية- قوله: "إنه في غاية الصعوبة على السلطات السويسرية مواصلة الادعاء ضد سالم إذا ما أسقطت السلطات المصرية الاتهامات الموجهة إليه". واعتبرت " المجلة الأمريكية" أن إبرام تلك المصالحة من شأنه إيقاف التحقيقات الدولية في قضايا الكسب غير المشروع لهؤلاء الأشخاص؛ وأشارت إلي قول أوليفييه ونشان - ضابط العلاقات المالية الدولية بمنظمة "برن" السويسرية- إلى أن " السلطات لن تتمكن من إثبات أي تهم ضد سالم في حال ما أسقطت مصر التهم عنه مؤكدة أنه الآن أصبح أقرب إلى تحقيق ما يريد من خلال هذه الصفقة بالرغم من دعمه الساخر للحكومة الحالية بدعوى مكافحتها للتعاملات التجارية المشبوهة التي يعد هو رمزها في الأساس بأعين المصريين. وأشارت "الفورين بوليسي" إلى أن عددًا من رجال أعمال نظام مبارك يسعون للتصالح، ويخوض وزير التجارة والصناعة الأسبق رشيد محمد رشيد، الذى هرب إلى دبى عقب ثورة يناير، مفاوضات مماثلة مع الحكومة ويستعد لتقديم عرضه الخاص.. وتم الحكم على الوزير الهارب بالسجن 20 عامًا ودفع غرامة تصل إلى 330 مليون دولار فى اتهامات بإهدار المال العام والتربح من منصبه. وقالت المجلة إنه بينما كانت تحتشد الجماهير في جميع أنحاء مصر خلال ثورة 25 من يناير التي أطاحت بالديكتاتور مبارك، لم يكن السياسيون والجنرالات هم فقط من يتدافعون للحفاظ على مصالحهم. فبينما كان النظام القديم يترنح، كان كبار رجال الأعمال يحزمون أمتعتهم وملياراتهم للهروب من البلاد. وأوضحت أن أحد هؤلاء كان رجل الأعمال حسين سالم، الذي كان يلقب بـ"أبو شرم الشيخ" لامتلاكه العديد من الفنادق هناك. فلقد استطاع سالم تكوين ثروة تقدر بمليارات الدولارات من استثماره في مجال الطاقة والأسلحة والخدمات خلال عهد مصر مبارك، وكان على صلة وثيقة بالمخلوع لدرجة الدخول في شراكة معاً وفًقا لوثائق حصلت عليها "الفورين بوليسي". لقد كان هذا التحالف مربحًا لسالم: ففي مطلع عام 2000، منحه مبارك احتكار تصدير الغاز إلى الأردن وإسرائيل وأسبانيا. واستغل سالم هذه الصفقة ليبيع الغاز بأقل من سعر السوق لسنوات، وفقا لحكم المحكمة المصرية مكلفًا ميزانية الدولة أكثر من 700 مليون دولار. وتابعت القول بأن سالم ظل هاربًا بعيدًا عن مصر منذ سقوط مبارك لأن مصر بعد اندلاع الثورة كانت تتطلع لاستعادة المليارات المنهوبة من قبل مبارك والمقربين منه، وركزت سلسلة من الدعاوي القضائية على الممارسات التجارية المشبوهة لسالم وعائلته، ففي أكتوبر 2011 أدين سالم جنبًا إلى جنب ابنه خالد وابنته ماجدة بتهمة تحقيق مكاسب غير مشروعة من بيع الغاز بأسعار تقل عن سعر السوق، وتم الحكم عليهم غيابيًا بالسجن سبع سنوات. وفي يونيه 2012 أدين ببيع الغاز إلى إسرائيل بأقل من سعر السوق، وحُكم عليه غيابيًا بالسجن 15 عامًا ودفع غرامة مالية هو ومتهمون آخرون قدرها 412 مليون دولار. وأوضحت المجلة أن سالم كان يحمل الجنسية الأسبانية التي مكنته من تفادي النظام القضائي المصري. ويعيش الآن في مايوركا في أسبانيا وهو مطلوب من قبل "الإنتربول" جنبًا إلي جنب ابنه وابنته، لكن ترفض المحاكم الإسبانية تسليمه إلى مصر لعدم وجود أي اتفاقيات تعاون قضائي أو قانوني بين البلدين، كما أن القضاء الإسباني متشكك في نزاهة العملية القانونية المصرية. وذكرت المجلة "الأمريكية" أنه لأول مرة منذ أن تمت الإطاحة بمبارك، ثروات سالم ورجال أعمال آخرين من فلول مبارك ربما يتحول حالهم إلى الأفضل. فمنذ أن أطاح الجيش بالرئيس الإسلامي محمد مرسي في يوليو الماضي ، قال سالم إنه طار فرحًا وبأنه يخطط للعودة إلى القاهرة وفقًا لما صرح به محاميه طارق عبد العزيز "للفورين بوليسي". وأشارت إلى أن الملياردير المقرب من مبارك كان قد أجرى اتصالًا هاتفيًا بأحد البرامج التلفزيونية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية في يناير، وقد عرض صفقة على الحكومة الجديدة المدعومة من العسكر مفادها: اسقطوا جميع القضايا الموجه إليّ وسأمنح مصر المليارات. وأوضحت أن المسؤولين المصريين كانوا قد رحبوا بالعرض علنًا. ونقلت رد هاني صلاح، المتحدث باسم الحكومة المصرية، على المكالمة التي تلقتها قناة سي .بي .سي، قائلاً: "السيد حسين سالم وغيره من رجال الأعمال النبلاء ... مبادراتكم مرحب بها بالفعل أي شخص يقترح عرضًا جيدًا ونبيلًا، فأقل ما يمكننا القيام به هو الاستماع له من أجل بلدنا الحبيبة". وأفادت أنه منذ الإطاحة بمرسي استمر صلاح في التأكيد على أن مصر أكثر انفتاحًا على مبادرات "المصالحة"، ورأت أنه يتوقع من رجال الأعمال الهاربين والمقربين من مبارك تقديم صفقات مماثلة. ولفت إلى أنه يمكن التوصل إلى مبادرات المصالحة إما عن طريق لجان يقوم رئيس الوزراء أو وزير العدل بتشكيلها أو أنهم يستطيعون التوسط عن طريق النائب العام الذي يقوم الرئيس بتعيينه. ورأت "الفورين بوليسي" أنه على الرغم من ذلك تبدو المصالحة تعني ما هو أكثر من إسقاط تهم الفساد مقابل دفع الأموال. فخلال اتصال هاتفي في 9 من يناير قدم سالم إلى الحكومة عرضًا يقضي بمنحه قرض بقيمة 3.6 مليون دولار لإصلاح ما تم إتلافه من الكنائس ومراكز الشرطة وغيرها من الممتلكات الحكومية مقابل حريته. واعتبرت "المجلة" هذا بالفعل انخفاض حاد مقارنة بعرضه الذي قدمه قبل الانقلاب العسكري، ففي مايو 2012 فقط قبل أن يصبح مرسي رئيسًا للبلاد عرض سالم على الأقل نصف ثروته التي تقدر بنحو 1.6 مليار دولار مقابل تسوية القضايا المرفوعة ضده وفقًا لما صرح به عبد العزيز. واستدركت المجلة الأمريكية قائلة: "وعلى الرغم من ذلك فإن وثيقة مسربة عن الهيئة العامة للكسب غير المشروع تكشف عن قيام سالم ومبارك جنبًا إلى جنب عدد من رجال الأعمال الفلول بالاستثمار في بنك بالخارج مسجل في جزر كايمان، وهو ملاذ للهروب الضربي في جزر الكريبي".