قُّدر لى أن أحضر إجتماع مع مدير المستشفى الذى اعمل به ، ولقد قال جُملتان شعرت حينها أن هاتان الجملتان قد استقرتا فى وجدانى المهنى والانسانى . قال: إنه لم يصبح هناك بيت او أسرة بعيدة عن كارثة الادمان. وقال: إن هذا يجعل علينا مسئولية ليس فقط تجاه مرضانا وإنما ايضا تجاه المجتمع. نعم إن كل الشواهد من حولنا تؤكد هذا الطرح وتشير اليه ، خصوصا وان الادمان من المشكلات ذات الابعاد المتداخله ، فهى بدنيه ونفسية واجتماعية بالاضافه الى انها مشكله اقتصادية وسياسيه ، فهى لنوع من الميكروبات التى تتسرب الى الكيان النفسى والاجتماعى تعمل عمل الموت فى صورة الحياة الزائفه ، كما انه وللاسف اصبح هناك الكثير من العوامل التى قد تُزيد من إنتشار تلك الظاهرة الخطيرة كتدنى الاخلاق الواضح ، وضعف الوازع الدينى ، والبطالة ، وتدنى جودة التعليم ، وغياب للمفاهيم الصحيحة ، وغياب الهدف الواضح ، وربما إنخفاض قدر القيم والمُثل لدى الشريحة الاهم فى اى مجتمع وهى شريحة الشباب والتى تُمثل 51% من عدد سكان عالمنا العربى كما اشار لذلك استاذنا الدكتور/طارق سويدان ، بل والمدهش أيضا إنه حتى السينما والتى من المعروف او المفروض أن تعكس مشاكل المجتمع وتقدم وتُسهم فى تقديم جزء من الحل ، اصبحت هى الاخرى جزء من المشكلة وليست جزء من الحل ، وهذا ما ذهب وتوصل اليه أحد الباحثين فى دراسة رائعه له قرأتها مؤخراً تحت اسم ( تعاطى المخدرات فى السينما المصرية......... دراسة فى الخطاب السينمائى المصرى) فقد قال فى خلاصة الدراسة( ولذا فإنه على الرغم من القصدية الظاهرة للخطاب السينمائى فى إطار التوعية بمخاطر الادمان ، إلا ان الخطاب اللاشعورى القابع وراء الاحداث السينمائية جاء مؤكداً لتلك الحلول السلبية(يقصد حل التعاطى للتغلب على المشاكل ولم يقدم حل حقيقى لتلك الظاهرة) ....صفحة190 )
 
كما انه استشهد بما ذكره الدكتور احمد عكاشة استاذ الطب النفسى ... فقال( إنه كثيراً ما بدأ استكشاف المواد المخدرة بعد مشاهدة أفلام او برامج تليفزيونية دعائية أكثر منها هادفة.. حيث أن المدمن يتبع مذهب اللذة الفورية ولا يهمة العواقب والمضاعفات) كل هذا دفعنى اليوم أن اكتب هذا المقال تحت هذا العنوان ، وما اريد أن اقوله: إننا اصبحنا فى حاجة مُلحه لمنظومة معرفية، تعمل على خلق مفاهيم صحيحة لدى الناس لتصبح خط الدفاع الاول لمحاربة تلك الأفه الكارثية ، فالمعرفة هى التى تصنع المفهوم ، والمفهوم هو المسئول عن السلوك ، والسلوك فى موضوع الادمان أمر فى غاية الاهمية ومن هنا يزداد أهمية تلك المنظومة المعرفية ويزداد الاحتياج اليها ، لذلك علينا ان نصبح نحن المُتخصصون فى هذا المجال مسئولين عن إخراج تلك المنظومة المعرفية للناس فى المجتمع ، فعلينا أن نوصل تلك المعرفة لتلك الشريحة التى نستهدفها وهى الشباب ، فمثلما نُعلم المُدمن مهرات التعافى كى يستطيع أن يقف على قدماه مرة أخرى وكى يستطيع أن يبتعد عن إنتكاسة المرض ، علينا ايضا عن طريق نشر تلك المنظومة المعرفية الهادفة والصحيحة ، أن نعلم الشباب الابتعاد عن هذا الطريق وعدم السقوط فى ذلك المستنقع ، علينا أن نصبح نحن المُتخصصون مكينات التشغيل فى خط الانتاج الذى سينتج مُنتج واحد فقط وهو المعرفة الصحيحة والمعرفة المهنية لتعريف الناس كيفية الابتعاد عن هذا الامر، وما هى المخاطر الصحية والنفسية والاجتماعية والاسرية التى تترتب على هذا ، علينا ان نقدم خطاب معرفى للأسر ننبهممن خلاله أن الخلافات الاسرية والصراعات والاضطرابات الاسرية من الممكن ان تصبح أحد الاسباب الرئيسيه لدفع أبنائهم الى التعاطى ومن ثم الى الادمان ، نعلمهم أيضاً العلامات والاعراض والظواهر التى يجب أن يتوقفوا كثيرا امامها حين يُلاحظوها او يروها على ابنائهم وزويهم . والسؤال الان كيف نصنع هذا ؟ فى تصورى أن نبدأ بتلك الالة الجبارة (الاعلام) علينا نحن أن نمد الاعلام بالمعرفة وعلى الاعلام أن يقوم بنشر تلك المعرفة ، علينا ان نقوم بعمل ندوات ولقاءات فى صالونات ثقافية ، علينا عمل محاضرات توعية وهادفة داخل المؤسسات العلاجية التى لديها تلك المعرفة واقصد هنا ( مراكز علاج الادمان) ولكن فى الوقت ذاته كل هذا يحتاج الى دعم ومشاركة من كل مؤسسات الدولة ، إن الامر انظر اليه ايها الساده على انه مشروع قومى يجب أن نتكاتف ونتشارك جميعاً فيه ، وعلينا أن نعلم جميعاً أن الادمان دائماً ما تجرى فيه الاحداث أسرع من الافكار ، والمشاهد أبعد من حدود النظر ، لذلك علينا ان نتحرك بجديه مُطلقة وبسرعة ملموسة ، وعلينا أن نؤمن جميعاً بأننا اذا صبرنا وتحملنا الان مشقة هذا الامر سنرى ثمرة إنجازنا بعد ذلك ، وهذا ما تعلمناه فى قوانيين الانجاز ، أن الحركة والسعى تحقق الانجاز المطلوب (قُمْ فَأَنذِرْ) فعلينا أن نُلحق الارادة بالاستطاعة ، وعلينا جميعاً ان نرفع صوتنا ونقول .. نعم نستطيع والان نستطيع
بقلم .... عادل عبدالستار......ممرض بالطب النفسى