القمح بين أمال الامس وخداع اليوم
 
إن ما دفعنى للكتابة فى هذا الموضوع الان هو تزامن قراءتى لكتاب بين يدى هذه الايام وبين ما سمعته منذ بضعة ايام من الاستاذ المسلمانى فى برنامجه الشهير (الطبعه الاولى) وما سمعته وقرأته كان عن القمح او بالاحرى مشكلة القمح فى مصر، ولنبدأ بما قرأته فى هذا الكتاب وهو كتاب قديم تم نشره فى عام 1971 وتحدث مؤلفه عن القمح فقال : أن زيادة إستيراد القمح تنبئ بشكل مباشر وتوضح عن مدى عدم قدرة الانتاج المحلى على تلبية إحتياجات الدولة... فتلك الزيادة شئ لا يُصدق، فقد زاد إستيراد القمح من 150 ألف طن فى عام 1955 الى 300 ألف طن فى عام 1956 ثم الى ثلاثة ملايين طن فى عام 1967 أى ان إستيراد القمح من عام 56 الى عام 67 قد تضاعف عشر مرات . إنتهى كلام المؤلف.
 
وقد كانت الاهرام ايضاً قد كتبت فى 2/8/1966 تقول : " أمامنا فى العام القادم موضوع القمح ، وكيف أننا نحتاج الى 100 مليون دولار لاستيراد الكميات اللازمة للاستهلاك المحلى. إنتهى كلام الاهرام. ثم ياتى ما قاله المسلمانى : هو يتلخص فى أن وزير التموين (المجتهد) يقول أن إنتاج القمح هذا العام قد زاد وأن إنتاجية الفدان قد زادت ايضاً ، وهذا ما رفضه المسلمانى وذلك لانه سأل بنفسه فى اكثر من قرية واكثر من مزارع وتاكد من أن إنتاجية القمح قد قلت هذا العام نتيجة لموجة حر جاءت قبل الحصاد مما اثر سلباً على المحصول ، ثم إنه بالفعل زادت الرقعه الزراعية المزروعه بالقمح وبالتالى زاد إجمالى كمية القمح ولكن لم تزيد مساحة الارض الزراعية نفسها بمعنى إننا زرعنا القمح فى نفس المساحات على حساب محاصيل اخرى ولم نفكر فى زيادة إستصلاح ارض جديدة تزرع قمح. إنتهى كلام الاستاذ المسلمانى. واقول إنه من هنا جاء إندهاشى الشديد وهذا ما دفعنى لكتابة تلك السطور، من إنه ومنذ ما يقترب من ستة عقود والى الان والدولة المصرية تتحدث عن نفس المشكلة دون إجاد حل!! هل يُعقل هذا ايها السادة كل تلك السنيين ليست كافية لدولة بحجم مصر بأن تجد حل ! دولة سمتها " الزراعة" واضحة على مدى القرون وغدا إعتمادها فى قوت يومها على الاستيراد، وماذا لو مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ ؟! أنموت جوعا لان الدولة التى نعيش فيها لم تستطيع على مدار 60 عام ان تجد لنا حلاً لهذا الامر! إذاً ماذا لو ان هناك من طلب من الحكومة كما حدث فى امريكا (18 الف شخص طلبوا هذا من الادارة الامريكية)
 
 أن تقوم الدولة ببناء مركبة فضاء نلوذ إليها اذا ما أُصيب كوكب الارض بشئ مفاجئ ؟! ، ايها السادة إن الكلام الذى يُقال على القمح الان ليس كافياً ، والحل لا يحتاج الى معجزة فقط نحتاج الى إتباع الارداة بالاستطاعة ، وإلا فكيف نجحت فيتنام التى خاضت ثلاث حروب أخرها مع الامريكان وخرجت من تلك الحرب الاخيرة ب 2 مليون قتيل و 3 مليون مصاب و 12 مليون مُشرد.........
 
والان فيتنام تُصدر الغذاء الى العالم ... فيتنام صادرتها فى 2011 كانت 96 مليار دولار وفى 2012 صادرتها كانت 109 مليار دولار ، إذاً لم تحتاج فيتنام الى معجزة كى تنهض ، فقط الحقت الارادة بالاستطاعه وهذا ما نحتاجة، إن كوريا الجنوبية كانت فى حرب بين عام 1950- 1953 وخرجت ب 4 مليون قتيل ، كانت تُصدر فى عام 1950 ب 45 مليون دولار ....الان تُصدر ب 500مليار دولار!! يا إلهى .. هل هؤلاء لديهم عقول ونحن قد سُلبت عقولنا؟! الامر ببساطة ايها السادة أن اى نهضة تحتاج الى المعرفة.. والمعرفة تاتى بالعلم .. والعلم يُلهمك الرؤية.. والرؤية تجعلك تُحدد الهدف .. وتحديد الهدف يدفعك للسعى لتحقيقة ومن ثم تحدث النهضة.
 
 إننا ايها السادة نحتاج حقا الى المعرفة لنتخطى تلك العقبة التى نعانى منها منذ زمن بعيد ، فهناك ابحاث زارعية لابد للاخذ بها ، وهناك طرق جيدة للتخزين لابد باتّباعها (20%من القمح يفسد ويُهدر لسؤء التخزين ) وهناك ارض لابد وان تزيد رقعتها وإستصلاحها ، وهناك إتفاقيات لابد وان تتم وتُفعل مع دول الجوار ودول إفريقيا ستساعدنا فى هذا الامر ، وهناك تجارب الدول لابد من النظر فيها واخذ ما يناسبنا ونقوم على تطبيقه ، ولابد من تشجيع الاستثمار فى هذا المجال تحديداً وتشجيع رؤوس الاموال ان تاتى وتعمل وتستثمر فى بلادنا فى هذا المجال وغيره ايضاً، ثم كل هذا لابد وأن يبدأ فوراً ، فاتصور ان 60 عام كافية على ان ننتهى من تلك المشكلة المذمنة!! ولكن قبل كل ذلك لابد من الاستقرار ، إستقرار النظام واستقرار الاتجاه وإستقرار القوانين الاساسية ، حتى يستطيع كل إنسان تكييف أماله ومشروعاته ، إن الاستقرار يشجع رؤوس الاموال الوطنية والاجنبية على ان تعمل ، ويشجع الطامحين على ان يجتهدوا فيكسبوا ، ويشجع الكاسبين على ان يوفروا ويجتهدوا ويدخروا ، ويشجع المدخرين على ان يستثمروا مدخراتهم ، ولتصبح سلع الاستهلاك هى اولى ما تنتجه الدوله والامه ، بهذا ايها السادة يمكن لنا ان نرى شعاع النور فى بلادنا من جديد بعد كل هذا الظلام الذى تسبب فيه الاهمال والفساد وعدم إيضاح الرؤية او عدم وجودها من الاساس . حفظ الله مصر.... حفظ الله شعبها .... وحفظ الله جيشها. عادل عبدالستار..... ممرض بالطب النفسى.....31/5/2013