معارضة بلا عقل! // مجدي طلبة //   
لا يختلف اثنان على الدور المهم الذي من المفترض أن تلعبه المعارضة في الدول الديموقراطية الحديثة من حيث المراقبة والمحاسبة والتصدي لأخطاء الحزب الحاكم حتى لا يحيد الأخير عن المسار الديمقراطي المتبع وحتى لا يتحول إلى دكتاتور يتحكم في مصير أمة بأكملها ويعرض شعبها ومقدراتها للخطر.. فالاستبداد نتيجة طبيعية ومحتومة لغياب المعارضة، ولنا في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا خير مثال على كيفية العلاقة بين الحزب الحاكم والمعارضة، فتارة يكون الديمقراطيون في الحكم وتارة يكونون في المعارضة وكذا بالنسبة للجمهوريين، والأمر ذاته يسري على حزبي المحافظين والعمال البريطانيين، فحينما يفوز أحدهما يرجع الآخر إلى صفوف المعارضة.. هكذا هو الوضع ولم تتغير الولايات المتحدة ولم تتغير بريطانيا.
 
   مفهوم الدولة الديمقراطية الحديثة الذي يعتمد أساسا على فكرة "الحكومة والمعارضة" لم يكن موجودا في مصر خلال العقود الماضية حيث كانت توجد حكومة لكن لم تكن هناك معارضة حقيقية بالمفهوم المتعارف عليه في الديمقراطيات المعاصرة، غير أنه بعد ثورة 25 يناير ومع دخول المصريين في استحقاقات انتخابية عدة كانت الآمال معقودة على تشكيل حكومة تضم جميع ألوان الطيف السياسي وتسلك مسلكا ديمقراطيا حقيقيا قولا وفعلا ومعارضة وطنية يقظة تقف لها بالمرصاد وتحاسبها وتراقبها وتصوب الخطأ حيثما وجد.
 
   للأسف، واقع المعارضة المصرية يؤشر على أنها أضحت بلا عقل أو رأس يفكر بعد فوز الإسلاميين في كافة الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية التي أجريت على مدار العامين الماضيين في انتخابات شهد لها القاصي والداني بنزاهتها في ظل تأمين وحماية القوات المسلحة والشرطة وفي ظل اشراف قضائي كامل، فبدلا من التفكير في وضع خطة بديلة واتخاذ استعدادات وترتيبات أفضل للاستحقاقات التالية رفضت الاعتراف بالخسارة ووصمت العمليات الانتخابية بالتزوير وشنت حملات شعواء غير مبررة لتشويه الفائزين.
 
 في الحقيقة هناك خمسة مآخذ على الأداء السياسي لأحزاب المعارضة خلال الفترة الماضية: المأخذ الأول: خالفت المعارضة كافة قواعد اللعبة السياسية حيث ارتضت بالمشاركة في العملية الديمقراطية لكنها لم ترض بجميع مخرجاتها ونتائجها وأبت أن تعترف بالحكام الجدد بل باتت تتبنى سياسة خاطئة تهدف أساسا إلى تشويههم والنيل منهم، وضلت طريقها في كيفية إيجاد سبل جادة وفعالة للدخول في منافسة شريفة ضد الإسلاميين.
 
   المأخذ الثاني: انشغلت قيادات المعارضة بالظهور على وسائل الإعلام وأضحت بمثابة "سوبر ستار" على برامج ال "توك شو" وتجاهلت تماما بذل محاولات وجهود حقيقية وصادقة لتكون قريبة من الشعب خصوصا في القرى والنجوع والأحياء الفقيرة التي غالبا ما ينشط فيها الإسلاميون بشكل عام والإخوان بشكل خاص من خلال توفير خدمات أساسية لسكان هذه المناطق حيث يقومون بتنظيف الشوارع وتجديد المدارس وتوزيع اسطوانات الغاز والخبز وغير ذلك من خدمات صحية واجتماعية ومعيشية وغيرها.
 
   المأخذ الثالث: مشاعر الكراهية والحقد الجلية لدى المعارضة تجاه الإسلاميين جعلت أحزاب المعارضة تتخلى عن كافة المبادئ والقيم الأساسية من خلال وضع أيديهم في أيدي فول النظام السابق وهم الذين كانوا قد ثاروا ضدهم مع جموع الشعب المصري في ميدان التحرير وميادين وشوارع مصر الرئيسية، بل قامت بتأليب جنرالات الجيش ضد الإخوان وطالبتهم بتنفيذ انقلاب عسكري ضد أول رئيس منتخب في مصر وتولي إدارة شئون البلاد بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، على الرغم من انتقادهم اللاذع للمجلس العسكري ومطالبته بترك السياسة والعودة إلى ثكناته العسكرية في أثناء الفترة الانتقالية.
 
   المأخذ الرابع: بات من الواضح أن المعارضة متورطة في حملة واسعة النطاق تضم جهات وأطرافا عديدة في الداخل والخارج تهدف إلى جعل الشعب المصري يكفر بثورة 25 يناير وبكافة استحقاقاتها وتشويه ميدان التحرير، أيقونة الثورة المصرية البريئة الطاهرة، من خلال الترويج لمزاعم وادعاءات بأنه لا يوجد فرق بين مصر قبل وبعد 25 يناير أو بين الحزب الوطني المنحل وحزب الحرية والعدالة أو حتى بين حسني مبارك ومحمد مرسي، وإطلاق يد البلطجية واللصوص والمتحرشين والباعة الجائلين للسيطرة على الميدان.
 
   المأخذ الخامس: أخفقت أحزاب المعارضة بشكل لافت في استغلال وجود مناخ عام رافض لأداء الإخوان وحكومة هشام قنديل، ساهم فيه إعلام "فلولي" وأخطاء حكومية، تجسد في نتائج انتخابات الاتحادات الطلابية بالجامعات المصرية التي حقق فيها الطلاب المستقلون مكاسب غير مسبوقة، بل وفشلت في أن تستغل (إيجابيا) أحداث وأزمات عديدة وقعت خلال الفترة الماضية كحادث صفع أحد شباب الإخوان لإحدى الناشطات أمام المقر العام لجماعة الإخوان المسلمين، وهو الحادث الذي تلقفه الإعلام للترويج داخليا وخارجيا بأن الإخوان لا يحترمون المرأة، مما تسبب في خلق حالة سخط عام إزاء هذا التصرف، لكن سرعان ما تلاشى هذا الغضب وحل محله تعاطف كبير مع الإخوان عندما تم الاعتداء على شباب الجماعة أمام مكتب الإرشاد بالمقطم في مشاهد بشعة ومروعة من الضرب والسحل والحرق ستظل عالقة في الأذهان لفترة طويلة، وذلك بمباركة من قيادات أحزاب المعارضة وجبهة الإنقاذ الوطني بحجة "الانتقام ورد الاعتبار". مطلوب من أحزاب المعارضة أن تنأى بنفسها تماما عن أحداث العنف والبلطجة التي يشهدها الشارع المصري بين الحين والاخر ، وأن تضرب المثل في الالتزام بكافة قواعد اللعبة الديمقراطية، واحترام اختيارات الشعب المصري أيا كانت، وأن تعي جيدا أن وجود معارضة وطنية قوية وصادقة يلتف حولها الشعب ويثق فيها الجميع أمر في غاية الأهمية حتى لا تنحرف العملية الديمقراطية عن مسارها الطبيعي وحتى لا ينفرد النظام الحاكم، بغض النظر عن ماهيته وتوجهه، بكافة مقدرات ومكتسبات البلاد والعباد بالنظر إلى أن الاستبداد هو نتيجة طبيعية لغياب أو ضعف المعارضة.