مصر في المعمل
 
عندما كنت بالمدرسة الأعدادية كان عندنا معمل ( مختبر ) نحضر فيه التجارب الكيميائية علي طاولات بيضاء نظيفة مزودة بتقنيات بسيطة و أنابيب زجاجية وكراسي دائرية وستائر سوادء لحجب النور عند إستخدام بعض التقنيات وكانت لحظات جميلة عندما كنا نخرج من الفصل في صفين منتظمين نحمل البالطو الأبيض للذهاب الي المعمل أيام ما كانت المدارس بها معامل قبل ان يمحي المعمل و يسحق التعليم الحكومي وندخل عالم كان غريب بالنسبة لنا ونشم روائح لأول مرة نشمها ، وكان ملحق به غرفة لوضع المواد المستخدمة في التجارب من قوارير وأنابيب وأحماض ومعدات يصرفها أمين المعمل لمدرس العلوم بحساب والمدرس يعطيها لنا أيضا بحساب ويعلمنا أن المادة كذا مع كذا تفعل كذا بحساب دقيق حتي لا يؤذى أحد نفسه بوضع أكثر من المحدد فيحدث ما لا يحمد عقباه . وسر إستدعائي لتلك اللحظة هو أن مصر الأن اصبحت في المعمل حقل تجارب لكل القوى السياسية وجماعات الإسلام السياسي والالتراس الكل يريد ان يضع خلطته السرية التي حضرها في المعمل الخاص به وخرج يردد علينا أنها الحل لكل مشاكلنا ونسي انها تجربة ولم تطبق وعند التطبيق وجدنا أنها لا تصلح لنا ولا يجدى نفعا الحوار لإقناعنا بأنها تصلح لنا لأنها ببساطة للعاملين بالسياسة لم تصلح التجربة عند غيرنا فكيف تصلح لنا ؟ وفي المعمل عندما تم وضع سائل من الأخوان علي سائل من السلفيين ودون إستخدام وعاء حافظ وهو الوفاق الوطني خرج لنا دستور قلت له لا وغير متفق عليه بدليل ان هاتين القوتين وبعد إقرار الدستور مباشرة خرجا علينا بالحوار الوطني ومن سار في ركبهم بأنه يجب تشكيل لجنة لصياغة المواد الغير متفق عليها ..
 
إذن هناك مواد غير متفق عليها ويجب تعديلها وهناك حكومة يجب رحيلها فلما إذن تم صياغة الدستور علي عجل وإقراره في ظلمه الليل وكأننا نسرق دستورنا وهما نفس العنصرين الذين شكلا أغلبية اللجنة التأسيسية التي صاغت هذا الدستور وهما ايضا أغلبية مجلس الشورى الذى يشرع لنا الأن والذى ترشح أعضاؤه ولم يكن بأعمالهم او علمهم مهنة التشريع وإنما جاءت لهم في السكة ويشرع قوانين تبطلها وستبطلها المحاكم .. وعندما إختلفا لانهم متضاديين لإنهم لا يمكن ان يكونا في وعاء واحد دون مادة الوفاق الوطني عاد كل عنصر الي وعاءه واخرج كل طرف منهما ما في وعاء الاخر وخرجت لنا رائحة كريهة من فساد وتسلط بالرأى وتحزب للجماعة والحزب والشخص و اصرار وعناد علي سكب مزيد من حمض غريب يزيد وعاء الوفاق الوطني إشتعالا وربما إنفجر في اي لحظة مما يدل ويؤكد أنك تدخل المعمل لأول مرة ولا تحسن إستخدام المواد والأدوات التي في يدك ولذ وجب أن يقف معك معلمك ليعلمك ويحذرك كما كان يقف معنا في معمل مدرستنا ليضرب علي أيدينا ويعلمنا ان إستخدام المواد بحساب .. والمعلم هنا هو الشعب .. يا سادة إن مصر ليست معمل تجارب لكم حتي تتعلموا فيها بهذه الطريقة فإن كنتم لا تحسنون إستخدام المواد والأدوات فاتركوا المعمل قبل أن ينفجر من سوء إستخدامكم وينهار علينا المعمل وتنهار المدرسة ونحن لسنا في حاجة إلي مزيد من الإنهيار و الدماء التي سوف تسيل إذا إنهارت مصر علينا.. حمي الله مصر وقدر لها الخير لانها تستحق الخير ..