fiogf49gjkf0d
هناك سؤال مهم مطروح على الساحة الخليجية والعربية هو. لماذا يصر الثوار في مصر على محاكمه الرئيس السابق حسني مبارك ؟؟ رغم أن شعب مصر عاطفي وتاريخه مشرق بالثورات البيضاء ومعروف عنه احترام قادته وحكامه بل وكباره على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية منذ عهد الفرعون. ولماذا هذا الإصرار رغم تقدير تعاطف معظم دول الخليج بل ونسبة لا بأس بها من شعوبها مع مبارك ورغم إبداء مبارك استعداده لتقديم توقيعات ومكاتبات منه ومن زوجته ونجليه وزوجتيهما للكشف عن سرية حساباتهم في الخارج، ولماذا هذا الإصرار رغم مطالبات العديد من الشخصيات وعدد من قادة المجلس العسكري باحترام سنه المتقدم وحالته الصحية المتأخرة وتاريخه العسكري وانجازاته حتى وإن كان هناك خلاف عليها، ورغم محاكمة وحبس نجليه ورموز حكمه ولماذا هذا الإصرار رغم العديد من الانجازات التي تحققت منذ نجاح الثورة وحتى الآن .
وحتى نكتشف سر هذا الإصرار علينا أن نبحر قليلا في ظواهر وبواطن معسكر الثوار لنحاول ان نتعرف على ما لديهم ولدى غيرهم من حجج وأهمها: أولا: المحاكمة ضرورية مع مسئولية الرئيس عن إفساد الحياة السياسية وعن كل ما تم نهبه من مصر في عهده ومسئوليته عن سقوط مئات الشهداء وآلاف المصابين في الثورة وغيرهم ممن تضرروا من نظامه على مدى 3 عقود في ظل قانون الطوارئ، فضلا عن كونها أكبر رادع لكل الرؤساء والمسئولين الحاليين والقادمين حتى لا تتكرر الانحرافات والتجاوزات .
 ثانيا: مصر الجديدة يجب ان تبدأ بشعار القانون فوق الجميع ووقف المحاكمة أو منعها يعني التواطؤ ضد الثورة ومبادئ إرساء قيم العدالة في المستقبل، بل ان المحاكمة العادلة يمكن أن تكون في صالح مبارك نفسه إذا ما تم تبرئته من التهم الموجهة إليه وهو ما يتمناه عدد غير قليل من المصريين بل والعرب .
ثالثا: هناك تضارب كبير في الانباء حول ثروة مبارك وعائلته وربما يكون المبلغ المنهوب كبير وبالتالي فإن هناك ضرورة تبرر السعي لاسترداد حق الشعب الذي لا يملك أحد أيا ما كان التفريط به خصوصا وان البلد في أمس الحاجة إلى تلك المبالغ في الوقت الراهن لتمويل برامج عاجلة على مختلف المستويات.
 رابعا : دول غربية عديدة ألمحت أو أعلنت عن وجود أرصدة لديها تخص الرئيس السابق وأسرته والمقربين منه ومن نظامه وبعضها يشترط محاكمة قضائية مدنية عادلة تنتهي لإدانة وأحكام واضحة نهائية. خامسا: الحديث عن أن ميزانية الرئاسة كانت مفتوحة ومتداخلة مع جهات أخرى عديدة وتصل إلى نحو 40 مليار جنيه سنويا ومعظمها سرية تحت بنود خفيه مثل بند مصروفات أخرى الذي يتجاوز حجمه 30 مليار جنيه وكون المحاكمة ستفتح الباب أمام دعم المطالب المنادية بإصلاح هذا الخلل في المستقبل.
سادسا: الحديث عن أن جهاز الكسب غير المشروع اكتشف أن التعاملات على الحسابات السرية الخاصة بسوزان مبارك في مكتبة الإسكندرية إيداعا وسحبا بقيمة 145 مليون دولار كانت تتم بواسطة مبارك بنفسه. وإضافة إلى ما تم ذكره فلاشك انه ورغم تعاطف البعض مع الرئيس السابق بعد ظهوره وابنيه جمال وعلاء داخل قفص الاتهام إلا أن الغالبية لم تتأثر إيجابا واعتبرت ظهوره على سرير مناورة مكشوفة وفاشلة لأنه لم يقدم اعتذارا بل نفى الاتهامات الموجهه ضده برغم الدلائل العديدة. ويرى البعض أن بدء محاكمة مبارك بتهمة التحريض على الاعتداء على المتظاهرين كفيلة بتشجيع المزيد ممن لديهم معلومات تدينه أو تدين رموز نظامه لتقديمها للسلطات المختصة.
 ولا ننسى هنا حسابات المصالح ودور القوى الثورية والإسلامية الواضح وإعلانها أن المحاكمة مطلبا لميدان التحرير بل ومعظم الشعب المصري، ومباركة الثوار لها خصوصا وأنها سُتبقي شباب الثورة في الواجهة طالما أنهم لازالوا قادرين على تحقيق المزيد من الانجازات. كما أن أحزاب المعارضة تؤيد المحاكمة للإجهاز تماما على بقايا النظام والمنافسين المحتملين في الانتخابات المقبلة ولخوفها من الثورة المضادة بقيادة ما يسمى " فلول الحزب الوطني" الذين يحاولون تجميع صفوفهم رغم شطب الحزب وسحب مقراته ورفع دعوى من قبل المحامي محمود الضبع لمنع كوادره من ممارسة العمل السياسي لمدة 5 سنوات . لاشك أننا سنختلف على ما سبق عرضه من مبررات خصوصا وان بعضها جدلي ومردود عليه إلا أنني أفضل النظر إلى المستقبل والى العائد الحقيقي من المحاكمة وان لا نغفل حسابات التكلفة والعائد السياسية والاقتصادية من وراء تلك الخطوة على المستوى المحلى والإقليمي والدولي وعلى المدين القريب والبعيد . وإن كنت أتمنى أن تكون أولوياتنا بعد المحاكمة على ضرورة إعادة النظر بصورة واقعية في رفع مخصصات الرئاسة والمسئولين .. فمن غير المنطقي ان نتمسك بآلاف على الورق لندفع المسئولين لصرف المليارات في الواقع.