هو تدرج في التعريفات لا أكثر.
وما كنا لا نقبل به بالأمس أو اليوم سنقبل به غدا.
بالأمس كانت قضيتنا فلسطين، ثم أصبحت قضيتنا فلسطين مقرونة باسم الأراضي المحتلة ثم أصبحت قضيتنا رام الله وغزة، ثم أصبحت قضيتنا غزة وحدها.
اليوم قضيتنا هي القدس.
غدا قضيتنا ستكون الأقصى.
بعيدا عن أعراف الساسة والقوانين الدولية التي ترفض رفضا قاطعا الاعتراف الديبلوماسي الضمني بالقدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، فنقل السفارة الأميركية ما هي سوى خطوة أولى ورئيسية لهذا الأمر، فنحن مقبلون باتجاه خطوة نحو القبول في الغد القريب على التفاوض للتنازل عن الأقصى أو التخلي عنه أو في اضعف الإيمان السياسي نغض الطرف عن تحويله من أولى القبلتين وثالث الحرمين إلى كيان آخر لكيان غاصب محتل.
وبطبيعة الحال بعد غد لن يبقى لنا لا قضية ولا غيرها، أو ربما يزحف بنا مد تغيير التعريفات إلى عتبات منازلنا.
في الكويت ومنذ النشأة السياسية المتكاملة وحتى اليوم نرفض التطبيع رفضا قاطعا وعلى كل المستويات مع الكيان الإسرائيلي، ونرفض الاعتراف بأي شكل من الأشكال مع الكيان الاسرائيلي، ليس لأمر عقائدي فقط، بل لان المنطق البسيط للاشياء يجعلنا نعلم ان التدرج الزمني سيزحف برمال الاحتلال الى ما هو أبعد من قضيتنا الأصلية فلسطين، القضية التي كانت ولم تزل قضية سياسية أولى لنا، تغير ترتيب أولوياتنا السياسية كثيرا في الخمسة والعشرين عاما الماضية ولكن فلسطين بقيت على رأس سلم أولوياتنا، لم نتغير كونها قضية نعتبرها مصيرية ولا تقبل النقاش، ليس من منطلق إسلامي فقط او قومي بل لأننا نرى ان في بقاء فلسطين وتحريرها جزءا رئيسيا من بقائنا، بل بقاء الأمة كلها.
ومن الغباء ان نتعامل مع الأمر على أساس انه عمل سياسي ديبلوماسي فقط، بل انه في شكله الأكثر وضوحا عمل عدائي مستتر برداء الديبلوماسية.
هو كذلك، ولا يمكن ان نعتبره اقل من هذا، وعلينا ان تتحرك وفق هذا الأساس ولا شيء اقل.
 
وبالطبع الإدارة الأميركية الحالية ترتكب خطأ سياسيا لا يغتفر، ربما ترى ان ما فعلته فرض للواقع من منطلق كونها قوة مسيطرة ولها اليد الطولى في ان تقر منفردة مثل هذا القرار ولها الحق في هذا من حيث تقف، ولكن تبعات هذا الأمر ستكون رهانا بنتيجتين، اما قبول لواقعها الذي فرضته أو إشعال المنطقة.
طبعا من واقع تتبع السياسة الأميركية في القضية الفلسطينية، فإن أي قرار جذري تتخذه في تعاملها مع ملف القضية الفلسطينية لا تتراجع عنه ويصبح مع تقدم الزمن أمرا واقعا.
في النهاية، بعض النظر عما يقال رفضا لهذا القرار أو ما سيتم اتخاذه من إجراءات ديبلوماسية عربية وإسلامية ضده، فالقرار بحكم النافذ والمنتهي ولن تتراجع عنه الإدارة الأميركية الحالية أو اللاحقة، وسيتم بناء المفاوضات القادمة لحل الدولتين أو غيرها من نقطة اعتبار القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي، هكذا ستكون الأمور لاحقا.