fiogf49gjkf0d
من يكتب التاريخ أحمد المنسي
لكي نعرف من يكتب التاريخ لابد أن نعرف أولا ماذا يكتب التاريخ ؟ فالتاريخ يكتب أحداثا ويذكر فاعلين . أما الصمت فلا يكتبه التاريخ ولا يصوره الزمن ولا تعرفه الكتب . فيه صور بلون النور ومشاهد بلون الدم . فيه رجال كاليواقيت وأناس كالتوابيت . الذي يغير ويبدل ويقرر, هو مادة التاريخ ومداد القلم , أما الذين يكتفون بالمشاهدة ومصمصة الشفاه , أولئك الذين وضعوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم . هم خارج حدود الدراما فلا يراهم التاريخ ولا تعرفهم الأحداث ولا تفهمهم الدنيا . وفي الحكاية لا دور لهم ولا تأثير ولا وجود ولا حياة. من يكتب التاريخ ؟ إن الكائن الوحيد الذي ترى فيه أفرادا لا مهمة لهم. تعطلت لديهم أجهزة الإرسال ولم يبق لهم إلا أن يستقبلوا فصاروا شيئا غريبا ليس لهم دور إلا في التشويش والإفساد والإحباط , يهرفون بما لا يعرفون , تحولوا إلى كبسولات منومة وحبوب مخدرة , هو الإنسان , الكائن الوحيد الذي يحتفظ بكم هائل من الأمراض النفسية والفكرية . هل رأيت حمارا منافقا ؟ هل رأيت مهزوما يرقص فرحا أو ساقطا متفاخرا بسقوطه, أو جاهلا يتعالى على الناس بجهله إلا بين البشر ؟ . يتقدم أهل الباطل بباطلهم ويتراجع أهل الحق إلى الصف الخلفي, هل أعجبك المشهد ؟ وهل سيكون من دعائك في صلاتك ( اللهم إني أعوذ بك من عجز أصحاب الحق وجبنهم وأسألك شجاعة الفاجر..؟ ) من يكتب التاريخ ؟ إن الحقائق التي ينكرها اليوم ثلة من البشر .. لا يرى التاريخ فيها إلا كونها حقائق تتجلى كنور الشمس . أما أصحاب العاهات الفكرية المستديمة فهؤلاء لا يرجى شفاؤهم . لأن المرض استفحل ولا علاج غير البتر . وقد بترهم الحق واستأصلهم القلم . فالذين يتخذون مواقف الصمت . رضوا بأن يكونوا مع الخوالف . وتأبى القريحة السليمة إلا أن تشهد لأصحاب الهمم العالية والعزائم القوية . لأن سلامة القلوب أدركت أن التولي يوم الزحف حرام . عندما غاب الهدهد عن سليمان كان غيابه تفكرا وزمنه تدبرا . مكتوب بين عينيه لا إله إلا الله . لا معبود بحق سواه . فلما رجع إلى سليمان قال : ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ) لأن الهدهد لا يعرف التسكع في الطرقات ولا يعرف الفراغ فدخل في منظومة ( وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) ولأنه لا يتبع هواه فلا يعرف إلها إلا الله , فجاء ينكر على ملكة سبأ سجودها للشمس من دون الله . ولما غاب فرعون شقي بفكره وذل بعقله فلما خرج على الناس قال : ( أنا ربكم الأعلى ) . فغرق بها . وجيء به مهينا حقيرا يقال له ( اليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ) . عز على فرعون أن يفهم فهم الهدهد فعجز أن يأتي بما أتى به الهدهد . كما عجز أحد ابني آدم أن يواري سوأة أخيه فعلمه الغراب . هل فهمت ؟؟؟ من يكتب التاريخ ؟؟؟ ( من وجد الله فماذا فقد ؟ .. ومن فقد الله فماذا وجد ؟ ) .
إن للمظلوم سحرا وجلالا وبهاءا . تحير فيه الظالم .. لأن المظلوم على موعد مع النصر شريطة ألا يستكين ولا يخنع . أما الظالم فقد شقي برأسه , وتعس بعمله . يوما ضاحكني صديق فقال إنني عاكف هذه الأيام على كتابة كتاب – وأنا أعرف أنه لا يكتب –قلت له ما هذا الكتاب ؟ قال ( كيف تكون إمعة ؟) . قلت له انظر في وجوه الناس ستجد آلاف النسخ من هذا الكتاب . اسمع ... يقول الأنصار لمعلم البشرية ( امض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد . وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا . إنا لصبر في الحق صدق في اللقاء . ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك .) وقال بنو إسرائيل لموسى ( اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) . إن الذي لا يعاني لا يفهم المعاني , والرباني يأنف من الصف الثاني .. وكم من قلوب احترقت فملئت حكمة ونورا .. وكم من نفوس ضاقت فملئت عطرا وجلالا .. وكم من عبرات سالت فارتوت منها الهمم . الحياء نتاج فهم , وظل إيمان وبئر خير . آه لو تدلل الرجال ... من يكتب التاريخ ؟؟؟!!!
الصمت ملعون إذا نطق الحجر .. بكت الحقيقة من موات القلب . من رجل يحارب نفسه , أهله. أيامه . ما تبقى من ضمير عنده .. عشق العته حتى الثمالة . لو لم تحركك العجوز إذا بكت .. سبعون عاما تنحسر في دمعة .. سبعون عاما داسها المجرم يضرب في جبين الأم ألفا من خطوط الدهر يرسمها الألم . لو لم تحركك البراءة واغتيال الطهر .. والظلم .. الظلام . الجهل . اسكت .. واترك الأشياء تكتب .. واترك الأشياء تنطق .. واترك الأشياء ترسم في جبين الدهر عارك . يكتب التاريخ منا .. يكتب التاريخ عنا .. ثم يأتي بعدنا قوم . لأنا .. لن نكون .. سوف نرحل .. والسلام .
أحمد المنسي Almansi9@hotmail.com