يبدو السؤال الأهم في لقاء الرئيس بالمثقفين أمس هو: هل أفرج الرئيس السيسي عن محمود محمد الشهير بمعتقل الــ "تي شيرت" عقب لقاء الأمس؟ هل تدخل الرئيس السيسي في أحكام القضاء فأفرج في اليوم نفسه وبعد ساعات من انتهاء اللقاء عن المعتقل المذكور؟
وبعيدا عن تفاصيل القضية يمكن الإجابة عن السؤال السابق بالنفي التام، ليس لأن اللقاء انتهى عند الثانية ظهرا تقريبا وقرار المحكمة صدر قبل الخامسة بما يستحيل معه أن تكون اجتمعت المحكمة بسبب اللقاء، وإنما لسبب أهم خلاف عدم التدخل الفعلي للسسيسي في شئون القضاء، وهو أن محمود محمد صدر الحكم بتجديد حبسه خمسة وأربعين يوما على ذمة القضية في السابع من فبراير الماضي وأمس كانت جلسة التجديد من محكمة أمن الدولة وخبر تجديد الحبس موجود ومنشور في السابع من فبراير الماضي على العديد من الصحف والبوابات الإلكترونية بما ينفي تماما أن الإفراج تم بقرار من السيسي، وإنما هي الصدفة وحدها التي جعلت اللقاء في اليوم نفسه للنظر في أمر تجديد الحبس أو الإفراج عنه !
السؤال الثاني: هل قال السيسي إن "مبارك جاب مصر الأرض وأنه ترك مؤسسات الدولة خربانة"؟ هنا يبدو مصدر الرواية هو الكاتب الصحفي الكبير عبدالله السناوي في حواره مع لبني عسل، وأكد نصفها الروائي الكبير إبراهيم عبد المجيد الذي قال لشريف عامر إنه لم يسمع اسم مبارك بينما سمع عبارة "أن كل المؤسسات خربانة" ونلمح أن بعض أنصار مبارك ممن حضروا الاجتماع لم ينفوا العبارة وقطعا اتصلت بهم فضائيات مختلفة ويبدو أيضا أنهم رفضوا التعليق !
نتوقف إذن عن ملاحظات مهمة وطبقا لعدة تصريحات لبعض الحضور، فوقت اللقاء كله وهو ثلاث ساعات إلا الربع دار حول الحريات والإفراج عن المعتقلين وتطرق بشكل عابر إلى الدولار والسياحة والاستثمار، وأن الرئيس هو من تكلم عن محدودي الدخل في كلامه الذي استغرق سبعا وعشرين دقيقة بدأها في أول الاجتماع بسبع دقائق واختتم اللقاء بالحديث لمدة عشرين دقيقة، بما يؤكد أنه كان مستمعا أكثر منه متحدثا وبالتالي فالحضور ورغم الموضوعات المهمة التي ناقشوها إلا إنهم تجاهلوا أغلب الموضوعات التي ملأ بعضهم الدنيا ضجيجا بها..
منها سد النهضة والعلاقات مع أمريكا وتعديل الدستور والعدل الاجتماعي والأزمة السورية، والحضور المصري في أزمة اليمن بينما اهتموا بالإفراج عن المعتقلين، مطالبين الرئيس بإصدار قرارات عفو بنفسه، وتحديدا في قضايا ناعوت وبحيري وأحمد ناجي وتم استخدام مصطلح إلغاء "عقوبة ازدراء الأديان" وليس إلغاء الحبس تماما في "جرائم النشر"، والفرق كبير جدا بين المطلبين؛ إذ تبدو الأولى أن "ازدراء الأديان" صار هدفا وتوجها في ذاته والمطلوب حماية القائمين به، فضلا عن أن قطاعات كبيرة ستعارض ما ستعتبره " تهاون الدولة" بحق أي عدوان على المقدسات الدينية وسيتقدمها الأزهر نفسه وليس السلفيون وحدهم، بينما سيستغلها الإخوان للتشهير بالدولة على أوسع نطاق!
المثير إلى حد الدهشة أن أسماء كبيرة ممن حضروا اللقاء تغير موقفهم بعد اللقاء عن موقفهم قبله، رغم أن الاجتماع لم يصدر أي قرارات أو حتى تعهدات، وسيبدو الأمر مذهلا لو نشرنا عناوين مقالات بعضهم قبل اللقاء وتصريحاتهم بعده، ولكن الله حليم ستار!
وأخيرا.. فلقاء الرئيس بكافة فئات المجتمع أمر مهم وضروري، وبه يتوسع برلمان مصر ليستطيل لمصر كلها ولكن بشرطين أساسيين: أن تعلو مصالح مصر الحقيقية فوق كل اعتبار، وأن لا تحتكر أو حتى تهيمن دوائر بعينها على اختيار الحضور!