.. قبيل منتصف الليل منذ أيام قليلة جاءني صوته خافتاً واهناً على غير العادة،.. تسبقه عبارات صادرة من القلب عن مقدار اعتزازه بصداقتي، وسعادته بالتواصل الدائم معي،.. تركته يسترسل ولم أقاطعه ممازحاً كما أفعل دائماً، ووجدتني أسرح في نبرات صوته.. وأتساءل لماذا هي مختلفة هذه المرة؟.. عادة ما تكون نبرته حماسية.. عالية حين يتحدث.. وقبل أن أسأله أفقت على سؤاله: «حتيجي بأه المره دي مش كده؟.. والنبي عشان خاطري.. كلنا نفسنا نشوفك.. وأنا والله أكتر واحد نفسي أشوفك.. وعشان خاطرك حنخليه متأخر».

.. انتبهت فجأة إلى أنني «سرحت»، وتجاوزت الطريق الذي كان يجب أن أدخله بسيارتي.. وقلت له: حاضر يا دكتور هحاول المره دي بس قلت لي مين هيكون موجود؟.. فرد بذكائه المعتاد: «والنعمه شكلك سرحت مني.. معلش أنا عارف مشاغلك بص يا سيدي.. ثم شرح لي تفاصيل التكريم الذي سينظمه لصديق مشترك في أحد المطاعم، وضرورة وجودي.. واختتم كلامه بقوله: قلبي حاسس أنك هتعمل زي كل مرَّة ومش هتيجي.. بس المرَّة دي والله نفسي أشوفك، يا راجل ما حدش عارف هنتقابل تاني إمتى.

.. انقبض قلبي لعبارته الأخيرة، ووعدته بمحاولة الانضمام اليهم، وبالأمس جاءتني رسالة: «البقاء لله .. انتقل الى رحمة الله الدكتور أحمد سامح أحد الرموز الوطنية العاشقة لتراب مصر، والمقيم بالكويت، وسيتم دفنه بها حسب وصيته، وذلك بعد صراع مع المرض».. {إنا لله وإنا إليه راجعون}..

.. رحل د.أحمد سامح، الطبيب الاعلامي الذي ذاب حباً وعشقاً وهياماً في مصر، ولم تمنعه غربته الطويلة عنها من التواصل معها، فرغم انه لا يسكنها الا انها كانت تسكن كل ذرة في جسده، وكل خلية في عقله، وكل قطرة دم في عروقه،.. انشغل بما يحدث في المحروسة عن كل شيء آخر، يذهب الى مصر في كل مناسبة ويشارك في الأحداث، ويعود منفعلاً يفرغ شحنات انفعاله صراخاً في مكالمات هاتفية طويلة يشكو فيها مما يفعله الأبناء بأمهم مصر.

كان د. أحمد سامح رحمه الله رمزاً مصرياً شامخاً يعرفه كل المصريين في الكويت «شهماً.. كريماً.. خدوماً.. لا يرد أحداً، ولا يعبس في وجه مريض، أحبه الجميع ووثق فيه الكل،.. احترم ذاته ومصريته.. فاحترمه كل من عرفه.

.. آسف يا صديقي العزيز.. صحت توقعاتك، وانشغلت في الصحيفة حتى وقت متأخر، ولم أحضر «العشاء الأخير».. وليتني كنت أعلم أنه الأخير،.. ولكن قاتل الله مهنة البحث عن المتاعب،.. أدعو الله أن يتغمدك بواسع رحمته،.. وأن نلتقي في مكان أفضل من الدنيا كثيراً.. حيث لا خيانة.. ولا انقسامات.. ولا تطاحن.. ولا صراعات.. ولا حروب ولا مظاهرات..

{دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين} (يونس – 10).

وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء.
 
حسام فتحي

hossam@alwatan.com.kw

twitter@hossamfathy66