بروبجاندا مرسي للهروب من الواقع المرير!!
 
بقلم / إسماعيل عبد الهادي,, ماهي الأسباب التى حدت بالدكتور محمد مرسي أن يخرج على الأمة يوم السبت الموافق 15/6/2013م ليلقى خطابة بالصالة المغطاة بإستاد القاهرة وليفجر مفاجأته بقطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السورى وكأن العلاقات كانت على ما يرام ثم أعلن قطعها الآن! مما يعد ذلك من قبيل البروبجاندا والتى من أبسط تعريفها أنها عرض المعلومات بهدف التأثير على المتلقي المستهدف وغالباً ما تكون تلك المعلومات ناقصة أو كاذبة ويكون تأثيرها عاطفياً أكثر منه عقلانياً وبالتالى تؤدى إلى تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لإجندات سياسية. ولما كان الشعب المصري يعد العدة للخروج يوم 30/6/2013م لوضع حداً للسياسة المتردية التى تنتهجها جماعة الإخوان المسلمين بمصر والتى تنم عن فشل ذريع داخلياً وخارجياً فما كان من مرسي وجماعته إلا أن فكروا في هذه الوسيلة للخروج من المأزق الذي سيحدث في ذلك التاريخ وخلق نوع من التعاطف مع البعض لتغيير الرؤية العامة لهذا الخروج المتوقع لاسيما ممن هم يترددون بين القناعة والرفض وليست لهم إجندة سياسية محددة.
 
 والأهم من هذا وذاك هو إرضاء أمريكا التى لا تعنيها الشعوب في شئ ولا يشغلها تطبيق الديمقراطية كما تزعم ظاهرياً ولكن ماتبطنه هو العكس تماماً للحفاظ على مصالحها وتحالفاتها خصوصاً وأن مشكلة سوريا أضحت مستعصية على الحل وفقاً لهوي أمريكا ولما تريده وذلك لوقوف روسيا وإيران والصين بقوة في النزاع ودخول حزب الله في المعركة علناً ودون مواربة لقلب موازين القوة فيما يجري ويدور على الأراضي السورية ومن ثم فقد إسقط في يد أمريكا فجاء محمد مرسي ليعلنها وبكل وضوح أنه يطبق أجندتها في المنطقة وليؤكد ما كان تخميناً بالأمس من أن الإخوان جاءوا إلى الحكم بمساندة قوية ودعم من أمريكا وبالتالى لابد وأن يكونوا تابعين لها حافظين لجميلها طالبين ودها. ومما يلفت النظر فيما قد أورده مرسي بخطابه هو تلك العبارة "دعم مصر المادي والمعنوي شعباً وجيشاً إذا طلب السوريون"!..فهل ما سقط فيه جمال عبد الناصر إبان حقبة الستينيات بإرسال الجيش المصري إلى اليمن حينما كان هناك تناحراً بين فصيلين من ذات الشعب اليمني وليس كما هو حادث الآن بسوريا وإنحياز عبد الناصر آنذاك لإحدهما ومساندة طرف على حساب الآخر وهو ما كان له أبلغ الأثر والسبب الرئيسى والمباشر لنكسة 1967م..فهل يعيد التاريخ نفسه وأصبحنا لا نستفيد منه ولا نأخذ العظة والعبرة وكأن من يتولون حكم مصر لا يعنيهم شأنها ولا يهمهم أمرها؟ومما يثير العجب أن الإخوان يصبون جام غضبهم على جمال عبد الناصر وعهده وسياسته ومع ذلك يحتذون حذوه ويقلدونه!
 
 قمة التناقض والتردى وإنعدام الشخصية وخلط الهوية ويتضح ذلك مما يسير عليه مرسي من خطب تفتقد للموضوعية بقدر إعتمادها على كلمات فضفاضة من نوعية دغدغة المشاعر– مع الوضع في الإعتبارالإختلاف الكلي بين شخصية جمال عبد الناصر وإمكاناته وقبوله العام والكاريزما التى كانت لديه وتأثيره المباشر على من حوله داخلياً وخارجياً وفقاً لما روي على لسان المقربين منه وأيضاً إختلاف الزمن ونوعية المخاطبين من البشر في كلا العصريين والثقافة العامة المتطورة بشكل مذهل وبين شخصية مرسي التى تتسم بالضعف والتردد وإنعدام القبول العام لها وعلاوة على أنه ليس هو صانع الثورة الحديثة ولم يكن من رجالها وإختلاف السن أيضاً الذي له عامل فعال في شريحة المخاطبين – إنما ما نحذر منه هو الإتجاه لذات المسلك من الناحية الشكلية والتقليد الأعمى وإرسال جيشنا لمساعدة المرتزقة بسوريا التى جمعتهم أمريكا من كل مكان حول العالم وزرعتهم فيها وأطلقت عليهم جهاديين في حين كانوا فى أفغانستان وغيرها من الدول التى كانت تأويهم يطلق عليهم إرهابيين! وسبحان مغير الأحوال في السياسة القذرة العفنة التى تفتقر لإدنى قواعد الخُلق القويم وبالتالي فإن من يسير في ركبها ويمتطى جوادها من الصعب أن يكون لديه خلق أو توجه فطري سليم. ومما يؤكد تخبط مرسي فيما قد أعلنه وأقدم عليه هو إعادته للعلاقات المصرية الإيرانية التى ظلت مقطوعة منذ حقبة السبعينيات – زمن الرئيس محمد أنور السادات- وفتح الباب على مصراعيه أمام الوفود السياحية الإيرانية للمجيئ إلي مصر في الوقت الذي تتبنى فيه إيران تأييد النظام السورى بقيادة بشار الأسد وبقوة بل وتمده بالسلاح وسخرت له حزب الله بشبابه وقوته وعتاده فكان من الحصافة إن كان قرار مرسي سليماً شكلاً وموضوعاً وليس من باب ( البروباجندا) أن يتم قطع العلاقات مع إيران هى الآخري لإن من يقف ضد صديقي حتماً عدوي لإن الوضع المتصور لو أن مصر أرسلت جيشها كما يدعو إلى ذلك مرسي سيدخل في حرب مع حزب الله وبالضرورة سيحارب إيران فكيف يستقيم الأمر بهذه الصورة؟.
 
 وهل مصر بظروفها الإقتصادية العصيبة وحالة التردى المزري لعملتها تستطيع أن تعين الشعب السوري مادياً؟..دعنا من معنوياً فهذه كلمة فضفاضة ليس لها معيار في شتى القضايا ..وهل يستطيع الجيش المصري ترك سيناء وما فيها من إرهاب وما تعده إسرائيل لتلك اللحظة ويذهب إلى سوريا ليدخل حرباً طائفية مذهبية ما أنزل الله بها من سلطان لا نعرف مدتها ولا ندرك مداها؟وإلى متى سيظل جيش مصر وشعب مصر يدفع الثمن لليمنيين والفلسطينين والسوريين والكويتيين وغيرهم ثم في النهاية يلعنون مصر وشعبها ولا يقفون عند الشدة معها بل يتعمدون الإنصراف عنها والتقليل من شأنها عند إنتهاء الحدث وكفانا شعارات جوفاء لا تغنى ولا تسمن من جوع من أمثال الأخت الكبرى والقومية العربية وغيرها من شعارات عديمة القيمة فالعالم من حولنا سواء أكان عربياً أو غربياً يبنى نفسه من أجل رفاهية شعبه وتنمية مجتمعه ونحن ابتلينا بأنصاف الزعماء يتعاملون مع الفشل الداخلى ببناء وهم خارجى يصب في النهاية ضد شعب مصر ومقدراته .. إيهما أولى نرسل الجيش المصري إلى إثيوبيا التى تتحدانا علناً بالتصميم على إنشاء سد النهضة لمنع حصة مصر من مياه النيل أم نرسله لمساندة فتنة طائفية داخل سوريا بين سنة وشيعة؟ أيهما أولى نعد جيشنا ونقوية لحماية حدودنا وتحرير ما احتلته إسرائيل بحرب 1967م وأهمها المسجد الأقصي أم نرسله لمعاونة المرتزقة الذين جاءوا من كل حدب وصوب إلى سوريا ولا نعرف لماذا ومن أتى بهم في دولة ذات سيادة لتغيير نظام بقوة السلاح؟
 
 واصبح الأمر ليس بثورة شعب بالمفهوم العام بل استعراض قوة للنظام العالمى وإشاعة الفوضي وبدء السيطرة والهيمنة على العالم العربي وإذلاله لصالح إسرائيل في النهاية ولطمس الهوية العربية وبالتالي ضياع القضية الفلسطينية التى للأسف يتفرغ فصيل من الفلسطينيين وهم جماعة حماس للوقوف بجانب الإخوان في مصر وإشاعة الفوضى بشبه جزيرة سيناء بل داخل مصر ونسوا قضيتهم الرئيسية وتفرغوا لقضايا وهمية فرعية! هذا هو فكرنا كعرب وهذه هى فلسفتنا وفتنتنا وأفاتنا ولا يوجد من بيننا رجل رشيد وإن وجد فلا أحد يصغى له أو ينصت إليه وينزل به من الصفات ما لايليق وكأن الدنيا تعيد دورتها زمن إرهاصات الأنبياء ولكن لعقيدتنا الراسخة بأن سيدنا محمد" عليه الصلاة والسلام " هو خاتم الأنبياء لقولنا أننا في حاجة إلى نبي يفرق بنا بعصاة البحر لينقذنا من أنفسنا لإن بداخل كل منا فرعون لا يسمع لنداء العقل ولا يستشير من هم أعقل منه ونخوض مع الخائضين ولا يوجد لدينا فلسفة سياسية معينة بل نسير وبشدة خلف أسيادنا الذين يحركونا لنبقي على الكراسي الملعونة وليذهب المواطنيين المطحونين إلى الجحيم ولا عزاء لا للأخوان الذين يتمسحون في الدين ولا لليبراليين أو الإشتراكيين أو غيرهم ممن يسعون لتحقيق مصالح شخصية وتنفيذ أجندات خارجية ودون النظر إلى مصلحة الوطن التى لا تعنيهم في شئ ولا تحمل لديهم معنىً يذكر.. والعجيب أنهم يذهبون لمساعدة الآخرين وهم لا يعلمون أنهم فاقدون للوطنية وأن فاقد الشئ لا يعطيه.