fiogf49gjkf0d
إسدال ستار التفكير في واقع الثورة المرير مرَّ أكثر من عامين على ثورة 25 يناير ..
 
تلك الثورة التي من المفترض أنها هيأت تربة خصبة لزرع بذور التقدم وإصلاح ما أفسده السابقون والعمل على اجتثاث بؤر الفساد من جذورها وتطهير المجتمع مما ألم به من علل وأمراض اجتماعية واقتصادية وسياسية .. بل وأخلاقية، واستغلال المُناخ الذي نتج عن تلك الثورة في دفع عجلة التنمية والنهوض بمستوى معيشة الفرد على كافة الأصعدة والارتقاء بالإنسان إلى المستوى الذي ينبغي أن يكون عليه كما أراد الله عز وجل له.
 
 لكن ما يحدث الآن على جميع المستويات يجعلنا نتساءل : هل انقلب الثوار على الثورة فحاولوا قتلها وشرعوا في اقتلاع شرايينها منها وحكموا عليها بالموت المؤقت ؛ حتى لا تُجدي نفعاً لمن أرادوها وسعوا في طريق النضال من أجلها لتسطع شمسها وتشرق على ربوع الكنانة، أم أن تلك الثورة هي التي انقلبت على الثوار وتحولت إلى فتنة تحرق أبناء الوطن الواحد. لقد تداعى أبناء الوطن على وطنهم مستبيحين كل محرم ضاربين بكل القيم الجميلة التي عادة ما تصحب الثورات عرض الحائط فتخلوا عن التسامح من أجل مستقبل وطنهم وعن تنحية الخلافات جانباً وعن إعلاء المصلحة العليا. لكن بعد طول التفكير فيما يحيط بنا وفيما تموج به الدنيا من حولنا على الفرد أن يهدأ قليلاً وألا ينساق وراء القيل والقال .. بل عليه أن يقف على السلم راقصاً بشرط أن يكون الرقص في منتصف السلم حتى لا يتأثر بمن هم بالأعلى ولا بمن هم بالأسفل بمعنى آخر لا تحزن على من هم بالأعلى أو تتضايق ممن هم الأسفل. أنا شخصياً آثرت لنفسي أن أرقص على هذا السلم، لا بقصد أن أتوارى عن الأنظار ولكن بقصد حجب عقلي عن التفكير فيما أسمعه وأشاهده ، إنه الحل الأمثل حتى لا تزداد معاناة عقلي المشوش ، لقد عانى عقلي كثيراً منذ قيام ثورة 25 يناير وانشغلت بها على مدار العامين المنصرمين فعشت مؤيداً ومعارضاً ومحايداً وليتني كنت مؤيدً أو معارضاً أو محايداً بلساني فقط ولكني أرهقت عقلي وتفكيري في هذا العبث السياسي، فأصبحت منحازاً بشدة مع..... ومتعصباً بقوة ضد.... ومتعاطفاً مع من لا ناقة له ولا جمل إلا أنه يريد الكفاف والعيش الآمن، حتى أعياني التفكير وانشغلت بما هو دون الواجب الذي على الإنسان أن ينشغل به، فالحياة لا تقف عند حدث سياسي أو موقف لمجموعة من البشر قاموا بثورة أو أسقطوا حكماً ، فلو راجعنا التاريخ لاكتشفنا أنه مليء بالأحداث التي هي أشد تأثيراً في حياة الشعوب من ثورة الشعب المصري ولم تقف عندها عجلة التاريخ ولم ينقضِِ نحب بني الإنسان جرَّائها، الشاهد من كلامي أننا منحنا الأحداث الحالية وقتاً أكثر مما تستحق وأخذ الجميع يمارسون الكلام مستعيضين بالصوت عن المعنى يثرثرون ولا يصمتون فتعالت الحناجر بالهتاف تارة وبالصراخ والعويل والنحيب تارة أخرى ،لأن بعض من في صدارة المشهد السياسي لا يتمتعون بالإحساس بالمسئولية تجاه من يمثلون بشكل خاص وتجاه وطنهم بشكل عام، لهذا ينبغي أن لا يلام من ترك لهم الدنيا وتقوقع على نفسه واحتضن ذكرياته واخذ يقلب في ذكريات حياته يتلمس فيها سويعات جميلة قضاها لعلها تعوضه عن الإحباط الذي أصابه وتساعده على نسيان واقعه الأليم. ومن ناحيتي تعاطفت معه فآن لي أن أقف موقف المتفرج الذي يتابع الأحداث أمامه عن بُعد وكأنها مباراة كرة قدم لا يهمه أي الفريقين سيفوز ، للأسف ما يحدث في مصر لهو شبيه بمباراة كرة قدم، فكل فريق له عدد لا بأس به من المشجعين والمتعصبين الذين تفيض أرواح بعضهم في سبيل نصرة فريقهم ، بمعنى أننا أشبه بمشجعي فرق كرة القدم في بعض صفاتهم فنحمل نفس صفاتهم في التأييد والنصرة لمن نحب ونفس صفاتهم في المعارضة والحنق والكراهية تجاه الخصم وفي النهاية لسنا طرفاً في المعادلة ، فنحن مجرد أداة لتحقيق مكاسب سياسية ، فالجميع يريد أن يجذبك نحوه من خلال السيطرة على عقلك بوسائل التواصل الإعلامي المختلفة ليحوز على أكبر عدد ممكن من المؤيدين . البعض استباح اغتصاب عقول البشر ليسيرها كيفما شاء وفي أي اتجاه دون مراعاة لاعتبارات أخرى تقتضي أن يكون الإنسان فيها حر الاختيار، وإذا علمنا مكانتنا وموقعنا من الخريطة السياسية ونظرنا إلى أنفسنا فيها لأدركنا لحظتها أن دورنا يتوقف عند المشاهدة فقط ثم نؤيد ونعارض ونتعاطف ونتمنى ونكره ونحب ويا ليتنا لا نتأثر فلا نمرض، لكن تكمن المشكلة في أننا لا نتحكم في انفعالاتنا ولا نستطيع أن نصرف أنفسنا عن مؤازرة من تهواه ، ثم نسير في ركب المنقادين المُسيسين ونردد كلمة " أعطِ صوتك لمن يستحق"..... لكن هذا (الـ من ) هل بالفعل يستحق؟؟!
 
 آسف إذا قلت أن جُل من هم في المشهد السياسي اليوم دون استثناء يستخدمون الناس كأدوات لتحقيق أفكار ورؤى خاصة بهم وأيديولوجيات يريدون تطبيقها سواء بقصد المصلحة العليا أو بقصد حسابات أخرى باطنة نجهلها، ونسوا أن هناك إنساناً أبسط أمنياته أن يأمن في سربه، يملك قوت يومه لا يشكو من علة في بدنه ، لا تشغله الأيديولوجيات ولا التوجهات السياسية، وفي النهاية هو من سيدفع الثمن عزيزي يا من ستقرأ هذه السطور ... أنصحك أن تكون كالتي رقصت على السلم فلم يرها من هم بالأعلى ولم يرها من هم بالأسفل بل توارت عن الناظرين وأخذت ترقص لنفسها .. فارقص لنفسك ولا تشغل بالك بأرباب السياسة لأنهم لن يشغلوا بالهم بك إلا من رحم الله حتى لا نعمم الحكم، لأنك مجرد لبنة صغيرة في مجتمع مترامي الأطراف متعدد المشاكل والأزمات ،لكن البعض يحاول الإصلاح ما استطاع ... شاهد وتفرج دونما أن تتأثر وتعتل صحتك واسلك طريقك كما أرادها الله لك عش لربك في المقام الأول ثم لدينك ولأهلك وأولادك .. اعمل واترك النتائج على الله سبحانه وتعالى ، فلن يغير أحد ما قدره الله لك وإن استطاع تغيير شيء فإنه نفذ إرادة الله فيك ... واعلم أنه لن يحكم أحد في أرض الله إلا بأمر الله ، وقد قضى الله في خلقه أن التغيير من سنن الحياة ولن يدوم حال على ما هو عليه .
 
 مع تحياتي / محمد السيد