fiogf49gjkf0d
التوافق الوطني وشجاعة التنازلات! //مجدي طلبة// من المعلوم سياسياً وتاريخياً أن الثورات تمر غالباً بثلاث مراحل محورية: المرحلة الأولى تبدأ بخروج القوى والحركات المعارضة للنظام الحاكم في احتجاجات ومظاهرات حاشدة ينضم إليها لاحقاً قطاع كبير من الشعب لتعم معظم أنحاء البلاد وتفضي في نهاية المطاف إلى سقوط رأس النظام لكن تبقي أذنابه وفلوله. المرحلة الثانية هي أخطر المراحل الثلاث على الإطلاق ويطلق عليها مرحلة الثورة المضادة التي يقودها فلول النظام البائد. أما المرحلة الثالثة فتشهد وضع أسس وقواعد جديدة ترمي إلى إرساء نظام حكم ديمقراطي تكون الكلمة العليا فيه للشعب. كان لا بد من هذه المقدمة نظراً لأن ما يحدث في مصر في الوقت الراهن شيء غريب وعجيب فكلما خطت البلاد خطوة إلى الأمام وكانت قاب قوسين أو أدنى من إنجاز المرحلة النهائية نجد من يعمل على إعادتها خطوتين إلى الوراء حتى تبقى في حلقة مفرغة داخل الجولة الثانية من الثورة فهناك "شياطين" في الداخل والخارج تبذل قصارى جهدها وتستغل كل فرصة ممكنة للحيلولة دون بلوغ الوطن المحطة النهائية. أزمة مصر الحقيقية تكمن في المرحلة الانتقالية التي تشهد حالة بشعة من الاضطراب والغموض والاستقطاب، ناهيك عن حالة الهرج والمرج التي اختلط فيها الحابل بالنابل والغلبة فيها لعلو الصوت والجرأة والوقاحة في التعبير، وأضحت القنوات الفضائية الخاصة تعكس هذه الفوضى من خلال المزايدة في خطابها السياسي بغية استقطاب أكبر عدد ممكن من الجماهير الغاضبة من تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد، وأيضاً من خلال الخلط والمزج القميء بين الحقيقة ووجهة النظر، والنقد البناء والتشويه والتجريح بل والردح أحياناً. وتعد قضية المحامي المصري أحمد الجيزاوي الذي تم القبض عليه في مطار جدة مؤخرا مثالاً صارخاً للحالة المصرية في الوقت الراهن والتي تتحول فيها قضايا وحوادث صغيرة إلى أزمات وكوارث تعصف بالمجتمع نظراً لغياب الاستقرار السياسي الذي تحتاج إليه مصر بشدة بغض النظر عن الصانعين له. ومما يدعو للأسف أن اللاعبين الرئيسيين على الساحة السياسية المصرية – المجلس العسكري، الإسلاميون، الأحزاب السياسية، والقوى والحركات الشبابية والثورية – قد أسهمت عن قصد وعن غير قصد في تشويه هذه المرحلة والحيلولة دون انتقال الوطن إلى مرحلة الاستقرار حيث فشل المجلس العسكري في إدارة المرحلة الانتقالية كما ينبغي وكما يتمناه الجميع، وسلك الإسلاميون مسلكاً جعل المتربصين والكارهين يكيلون لهم كل الاتهامات بأن لديهم رغبة جامحة للهيمنة على كافة مؤسسات الدولة، وتفرغت الأحزاب والنخب السياسية لشن حملات شعواء لتشويه الخصم دون التمييز بين النقد الإيجابي والبناء المفيد والنافع للبلاد والعباد، وبين التجريح والردح، ناهيك عن التشكيك في شرعية المؤسسات المنتخبة انتخاباً حراً ديمقراطياً، أما الحركات الشبابية والثورية فقد أصيبت بـ "عمى الأهداف". مصر الآن في وضع حرج وخطير فهي بلا رأس يفكر ويتدبر وأضحت ساحة شاسعة للاستقطاب والتجييش والاختراقات التي تبزغ من خلال احتقانات متوقعة، وربما يعود هذا إلى الخطأ الذي ارتكب في بداية المرحة الانتقالية والمتمثل في عدم ترتيب الأولويات بصورة جيدة حيث كان من الأولى البدء بسن دستور جديد قبل الولوج إلى المرحلة الانتقالية يعقبها انتخابات تشريعية ورئاسية وأخيراً تشكيل حكومة جديدة. لا مجال للتشكيك في وطنية كافة أطراف اللعبة السياسية وحرصهم على إنجاز المرحلة الثالثة والأخيرة من ثورة 25 يناير وبلوغ الاستقرار السياسي الذي يطمح إليه المصريون بكافة أطيافهم، لكن على الجميع أن يعي أنه لن يتأتى هذا إلا من خلال ثلاثة محاور رئيسية: أولاً: التوقف عن الاتهامات الجزافية وسوء الظن بالآخر وبث نظرية المؤامرة في كل اتجاه دون تقديم براهين ووثائق حقيقية. ثانياً: خلق توافق وطني عبر حوار شامل يضم جميع القوى والحركات السياسية الفاعلة ويعتمد أساساً على إعلاء المصلحة العليا للوطن وإيجاد حلول جادة تحقق المصلحة العامة لجموع المصريين. ثالثاً: التحلي بشجاعة التنازلات والكف عن الإنفراد أو الاستعلاء نظراً لأن هذه المرحلة تقتضي أن يسود مبدأ التنازلات المتبادلة والحلول الوسط، ولن ينسى التاريخ لأي فصيل أو جماعة أو حزب يقدم تنازلات حقيقية ومعتبرة من أجل الوطن الذي يستحق منا الكثير والكثير.