fiogf49gjkf0d
قصر العيني... في خاطري
د. إيهاب عبدالغني
iabdelghany68@gmail.com
في ظل إنشغالي بإعداد المقال الأسبوعي للموقع للأسبوع القادم عن أزمة العشوائيات لم أستطع أن أتجاهل حدث في مصر حصد إهتمام الجامعيين ألا وهو انتخاب القيادات الجامعية لأول مرة بعد توقف مسيرة الديمقراطية الجامعية واختطاف إرادة الصفوة منذ 17 عاما وكنت أنظر للحدث من علي بعد ألاف الكيلومترات لكلية طب قصر العيني باهتمام شديد لما يمثله لي قصر العيني من بيت ورمز ومثل.
عندما بدأت العملية الانتخابية في قصر العيني علي منصب العميد وكان هناك تغطية خاصة من أبناءه علي موقع الفيسبوك وبدأت تتوالي تعلية الصور والاخبار علي الموقع واصطفاف الاساتذة للادلاء بصوتهم دار في ذهني شريط ذكريات جميل فقاعة الاحتفالات هذه هي تلك التي أديت فيها قسم الطبيب منذ قرابة العشرين عاما ومنحني المرحوم أ.د.خيري سمره عميد الكلية آنذاك جائزة خاصة للنشاط الطلابي وتذكرت استقبال والدتي لي أمد الله في عمرها بدموع الفرح وهي تجلس مع أهالي زملائي تبتهج بإبنها الذي أصبح طبيبا... لا أنسي هذه القاعة التي احتضنت العديد من المؤتمرات والمحاضرات لعباقرة الطب وفلاسفته والتي أفتخر بأنني كنت أشارك في تنظيمها أيام نشاطي في الجمعية العلمية الطلابية لن أنسي محاضرة عملاق جراحة القلب د. مجدي يعقوب في الثمانينيات وقت ان كان يعمل في بريطانيا وجاء متبرعا بوقته وجهده وماله للقاء أبناء الكلية واجراء عمليات دقيقة.. حنينه وحبه لوطنه الاصلي وقصر العيني جعلته يقدم الغالي والنفيس من أجل رفعته وهو الان يضرب مثلا في العطاء بمشروعه العظيم في أسوان لجراحة القلب وكان يمكنه الراحة والاستجمام في أجمل مدن بريطانيا وتحت يده كل الامكانيات.. ولكنه مصري الاصل وخريج قصر العيني وغيور علي بلده ويبحث عن صالحها.
لا أنسي أ.د. أبوشادي الروبي الذي علمني ثقافة الطب وفلسفة الحياة وهو الذي دفعني للعمل في مجال الصحة العامة وهو الذي علمني كيف أستمع للموسيقي الكلاسيك .. لا أنسي أ.د. صدقي عبده والد زميلي بالمركز د. هشام بهيبته ووقاره وثناء الجميع علي علمه واجتهاده.. لن أنسي أ.د. هاشم فؤاد بنشاطه وصرامته وروحه الطيبة وإنسانيته في إدارة المستشفي والكلية وعطاؤه الذي لا زال يشهد به الاطباء والعاملين... لن أنسي أستاذي أ.د. يوسف عبدالرحمن بهدوءه وحكمته وكفاحه... لن أنسي أ.د. يحي البطاوي الذي أسس مركز التعليم الطبي الذي أنتمي اليه وكيف سعي لإنشاؤه واستقدم الكفاءات وإرسل البعثات لكي يكون لدي الكلية مركز متميز لدعم العملية التعليمية بالكلية.... لن أنسي أ.د. أحمد شفيق بغزارة علمه وشخصيته الحازمة وسعيه الدؤوب للبحث العلمي.. رحمهم الله جميعا.
نعم من حق أبناء قصر العيني أن يفخروا بهذا الصرح العظيم فهو قلعة الطب في مصر والشرق كله فكم خرج من كفاءات يعملون في كل دول العالم في مواقع شديدة التميز وكم باحث اثر في تطور العلوم الطبية وعلاج الأمراض وتطوير الأدوية واللقاحات والجراحات المختلفة وكم وزيرا جاء للبلاد من خريجي قصر العيني.. ان كلمة حكيم التي اعتاد المصريين اطلاقها علي الطبيب كانت تدل علي نظرتهم للطبيب فهو لا يمثل فقط التشخيص والعلاج ولكنه يمثل الحكمة في الرأي والقرار ويمثل الخلق والأدب والانسانية ويمثل القرب من الله بالعلم الذي ينتفع به والعمل الصالح وحب ودعاء المرضي والأقارب.
أتذكر يوم أن حدث زلزال عام 1992 وكان حدثا كارثيا وجديدا علي مصر في هذا الوقت وبدأت نداءات قصر العيني بالتلفزيون علي الأطباء للتوجه الي المستشفي وكنت طبيب إمتياز في ذلك الحين وذهبت للمستشفي لأجد أبناء قصر العيني من الأطباء يتوافدون كالجيوش و يتفانون في العمل ويضعون كل امكانياتهم في خدمة المصابين.. وتذكرت كيف كنا نقضي الليالي في هذا المستشفي العظيم في الاقسام والطواريء وفي ظل صعوبات بالغة وقلة امكانيات ولكننا كنا نعشق هذا المكان بحب خالص.
قصر العيني لم يعلمني فقط الباطنه والجراحة والادوية وغيرها .. لكنني تعلمت الجدية في العمل واحترام العلماء وحب الوطن وخلق المهنة وإنسانية المشاعر.. إرتبطت بمبانيه وجدرانه وساحاته وعلماؤه.. لازلت "أتلكك" بزيارته في أجازاتي لأتذكر المختبرات والمدرجات وملاعب التنس سابقا وأيام كنا نتدرب مع المرحوم "عم مكاوي" ... يا لها من ايام كانت جميلة فلا يدركها الا من عاشها..وما أجمل يوم الانتخابات وكم تمنيت أن أعيش هذه الساعات داخل قصر العيني وأخذت اقلب الصور لأري كيف تجمع الأساتذة لينتخبوا عميد أسرة قصر العيني للسنوات القادمة بروح الحب للمكان وللوطن ... الصور تظهر الكل مبتسم رغم المنافسة الشديدة بين المرشحين الا انهم يد واحده ... نعم انها الروح التي كانت قد توقفت منذ منتصف التسعينات وأخذت أتذكر الثورة العظيمة للشعب المصري التي غيرت الكثير والكثير من واقع مصر ولأجد نفسي أقرأ الفاتحة علي روح شهداء الثورة الذين سطروا صفحة جديدة في سجل البطولات لتاريخ مصر ومنحونا بدمائهم الزكية الطاهرة فرصة لكي نعيش هذا اليوم في حرية ونحقق الحلم.