لا يمكن للأمنيات أن تخلق واقعاً، ولا بمقدور الأحلام وحدها أن تصبح حقيقة، هذه شبه مسلمات لا جدال حولها، وعلى ضوئها نستطيع ان نستخلص أن كل ما يتم طرحه حتى الآن حول مسألة التركيبة السكانية، وعدد الوافدين المتزايد لا يتجاوز كونه طرحا تغيب عنه ادنى معايير الواقعية والعقلانية. وبالتالي فهو طرح يفتقد الأسس المطلوبة لتحقيق أي مقترح أو مشروع!
 
حتى هذه اللحظة لم نسمع ولم نقرأ طرحا عقلانيا او موضوعيا يتعامل مع قضايا التركيبة السكانية بشكل موضوعي ومهني. فكل ما يحدث أمامنا لا يتجاوز إسفافاً واستهتاراً يمس شريحة من البشر تشاركنا هذه الأرض، وتساهم بشكل أساسي في كل ما يدور فيها وفوقها!
 
فالأسلوب الذي تتم فيه مناقشة هذه المسألة، والأصوات التي هاجمت وتهاجم وبشراسة مفرطة جميع الوافدين والمقيمين على هذه الأرض، بحجة أنهم يزاحمون المواطنين في رزقهم ومعاشهم وصحتهم وتعليمهم، نفس هذه الأصوات تتجاهل وبشكل استفزازي الأسباب الحقيقية وراء الخلل في التركيبة السكانية، فلم نسمع منها على علو نبرة صوتها أي استياء او تذمر من تجار الإقامات، الذين يعبثون بمصير عشرات الآلاف من الضعفاء الحالمين بلقمة عيش نظيفة! الأصوات العالية التي تشتم وتتذمر من كثرة الوافدين وإغراقهم لسوق العمل، لا تجرؤ على تسمية واحد من تجار الإقامات، الذين يتداول الناس أسماءهم! هؤلاء لم نسمع لهم صوتا واحدا من أصوات الذين يهاجمون ويتذمرون من كثرة الوافدين!
 
المجتمعات كلها تمر بدورة تطور مجتمعي وسكاني شبيه بالتطور البيولوجي عند البشر، بمعنى آخر أنها تبدأ مرحلة طفولة ومن ثم نضج وهكذا. والمجتمع الكويتي لا يختلف في ذلك. فلقد عبر مرحلة الطفولة الى مرحلة النضج، حيث تحول من مجتمع بسيط الى مجتمع أكثر تعقيدا، بمعنى آخر رؤية البعض للخصوصية الكويتية لم تعد ملائمة اليوم، بعد أن اتسعت رقعة الدولة لتضم أفرادا وأجناسا خارج إطار التراتبية العائلية، التي كانت سائدة الى منتصف القرن الماضي، لذلك إذا ما كانت هنالك رؤية للتعامل مع مثل هذا التمدد البشري، فلتكن من خلال قوانين تضمن لهم حقوقهم وتضمن للدولة حقها، فالوافد لن يكون عبئا إذا ما كان هنالك قانون ضمان صحي متكامل، وقوانين عمل منصفة، وإجراءات تنظيمية لإقامات لا تخضع لنزوات كفيل ولا متنفذ ولا صاحب عمل ولا مسؤول!
 
أصحاب الأصوات العالية الذين يطالبون برحيل الوافدين، عليهم أولا ان يعيدوا الاعتبار لأخلاقيات المهنة، التي غابت وبكل أسف لدى شرائح كثيرة من المواطنين، حتى أصبح المواطن نفسه يثق بالتعليم الخاص، والعلاج الخاص، وهكذا!
الوافدون قيمة مضافة للمجتمع الكويتي المتمدد اليوم، هم ليسوا عبئاً، لكن قوانيننا هي المعيبة! فعالجوا الأسباب إذاً قبل أن تقذفوهم بالحجارة! وليكن على رأس تلك الأسباب تجارة البشر والاقامات، التي أصبحت على ما يبدو خارج السيطرة فعلا!