لم يكن في بال الكويتيين أن تطال يد الغدر من أبنائهم الآمنين في بيوت الله وهم يؤدون صلاة الجمعة في شهر رمضان, ورغم توقعنا احتمال تعرضنا, كغيرنا من البلاد العربية, لمثل تلك الهجمات, إلا أنها كانت بالغة الأثر في نفوسنا وأصابت قلوبنا بنار الفجيعة.
بالأمس تحول الأمر في البداية لحالة من الاستنفار الوطني ومشاعر الأخوة بين سنة الكويت وشيعتها, وصرفتنا بوادر الوحدة بين أبناء الشعب الكويتي عن الحزن لنصحو اليوم على مرارة الفجيعة وحجم المصاب, كيف يتجرأ مجرم جبان مهما كان يحمل من ضغينة وحقد أن يقدم على هذا العمل الدنيء ليجرح به قلوب الأمهات وييتم الأطفال, ويبث الحزن في نفوس أهل الكويت.
إن الإرهاب لا دين له ولا مذهب, بل لا جنسية له ولا أهل ولا وطن, ولا انتماء ولا ولاء ولا ضمير ولا إحساس, هؤلاء من انصرفوا إلى القتل وترويع الأبرياء بدل العبادة في المساجد, لا والله ليس هذا من الإسلام وما هو بفعل مسلم غايته إعلاء كلمة الله, وما هم إلا بأرباب الباطل الذي يدعي الحق, فما التطرف والفتنة إلا وجهان لعملة واحدة, كلاهما يحاول بث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.
وعي أبناء الشعب الكويتي وقف في وجه المغرضين وباءت كل محاولاتهم بالفشل, غير أننا لم نتوقع أن يبلغ حقد الحاقدين هذا الحد من الوضاعة بالاعتداء على بيوت الله في شهر رمضان ويوم الجمعة بوطن عرف عن أهله التآلف واللحمة والمحبة المتبادلة.
لقد مر الكويتيون بالكثير من المواقف الصعبة وكانوا في كل مرة يضربون المثل في التعاضد والالتفاف حول قيادتهم منذ مرحلة النشأة حين خرجت قبائل الشيعة لمواجهة أبناء عمومتهم من بني كعب دفاعا عن أرض الكويت وأهلها في معركة الرقة.
من لا يعرف أهل الكويت فحسبه أن يقرأ تاريخها وأسوارها الثلاثة, تلك الأسوار التي تمثل خير دليل على أن أهل الكويت كانوا وما زالوا على قلب رجل واحد, من لا يعرف الكويت وأهل الكويت فليتذكر أيام الغزو وما كان من أمر الكويتيين سنة وشيعة, حين كانوا يجتمعون في بيت واحد, يتبادلون الرأي ويتشاركون الطعام معا ويناضلون معا لتحرير الكويت. من لا يعرف أهل الكويت فليذكر كيف ألتف أهلها جميعا حول قيادتهم في مؤتمر جدة.
مرت علينا غمامات كثيرة ومضت ومعها يأسها وشرورها بعيداً عن البلد الآمن, ولن تختلف هذه المرة عن سابقاتها, فأهل الكويت جبلوا على المودة والألفة والرحمة والتعاضد والتكاتف في السراء والضراء, وما أقوله هنا رسالة لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الكويت مفادها أن مثل هذه الأفعال الدنيئة لن ينتج عنها سوى المزيد من التماسك واللحمة بين أبناء الكويت, فرغم فداحة المصاب والفجيعة إلا أنها زادت من تآلف أهل الكويت وجعلت منهم أسرة واحدة تصطف صفاً واحداً, كالعادة لا يفرق بينهم مغرض ولا تطال من نفوسهم الفتنة, ولا أكثر صدقا على ما أقول من تقبل العزاء في الشهداء في مسجد الدولة الكبير, وأصدق دليل على تكاتف أهل الكويت قيادة وشعباً تواجد سمو أمير البلاد, حفظه الله ورعاه, بعد دقائق معدودات في مسجد الإمام الصادق (ع) مكان الجريمة.
يعتصر قلوبنا الألم وتذيب نفوسنا الحسرة ونحن نزف أرواح الشهداء الطاهرة إلى السماء, ونتضرع إلى الله تعالى بأن يمن علينا بالشفاء العاجل للجرحى والمصابين, وحسبنا أن زادنا الله بفقدان أحبتنا تماسكا ومودة.

g.h.karam@hotmail.com